تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٢٧٩
خاسر. فكيف إذا بناها على البغي والعناد والشر والفساد؟ ومنها: أن لله الحجة البالغة، التي لم تبق لأحد عذرا، التي اتفقت عليها الأنبياء والمرسلون، والكتب الإلهية، والآثار النبوية، والعقول الصحيحة، والفطر المستقيمة، والأخلاق القويمة. فعلم بذلك، أن كل ما خالف هذه الآية القاطعة، باطل، لأن نقيض الحق، لا يكون إلا باطلا. ومنها: أن الله تعالى، أعطى كل مخلوق قدرة، وإرادة، يتمكن بها، من فعل ما كلف به. فما أوجب الله على أحد، ما لا يقدر على فعله، ولا حرم على أحد، ما لا يتمكن من تركه. فالاحتجاج بعد هذا بالقضاء والقدر، ظلم محض، وعناد صرف. ومنها: أن الله تعالى، لم يجبر العباد على أفعالهم، بل جعل أفعالهم، تبعا لاختيارهم. فإن شاؤوا فعلوا، وإن شاؤوا كفوا. وهذا أمر مشاهد، لا ينكره إلا من كابر، وأنكر المحسوسات. فإن كل أحد، يفرق بين الحركة الاختيارية، والحركة القسرية، وإن كان الجميع داخلا في مشيئة الله، ومندرجا تحت إرادته. ومنها: أن المحتجين على المعاصي بالقضاء والقدر، يتناقضون في ذلك. فإنهم لا يمكنهم، أن يطردوا ذلك، بل لو أساء إليهم مسيء، بضرب، أو أخذ مال، أو نحو ذلك، واحتج بالقضاء والقدر، لما قبلوا منه هذا الاحتجاج، ولغضبوا من ذلك، أشد الغضب. فيا عجبا، كيف يحتجون به على معاصي الله ومساخطه، ولا يرضون من أحد، أن يحتج به، في مقابلة مساخطهم؟ ومنها: أن احتجاجهم بالقضاء والقدر، ليس مقصودا، ويعلمون أنه ليس بحجة. وإنما المقصود منه، دفع الحق، ويرون أن الحق بمنزلة الصائل. فهم يدفعونه، بكل ما يخطر ببالهم، من الكلام المصيب عندهم، والمخطىء. * (قل هلم شهدآءكم الذين يشهدون أن الله حرم ه ذا فإن شهدوا فلا تشهد معهم ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون) * أي: قل لمن حرم ما أحل الله، ونسب ذلك إلى الله: أحضروا شهداءكم، الذين يشهدون أن الله حرم هذا. فإذا قيل لهم هذا الكلام، فهم بين أمرين: إما: أن لا يحضروا أحدا يشهد بهذا، فتكون دعواهم، إذا باطلة، خالية من الشهود والبرهان. وإما: أن يحضروا أحدا، يشهد لهم بذلك، ولا يمكن أن يشهد بهذا إلا كل أفاك أثيم، غير مقبول الشهادة. وليس هذا من الأمور التي يصح أن يشهد بها العدول؛ ولهذا قال تعالى ناهيا نبيه، وأتباعه عن هذه الشهادة: * (فإن شهدوا فلا تشهد معهم ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون) * أي: يسوون به غيره من الأنداد والأوثان. فإذا كانوا كافرين باليوم الآخر، غير موحدين الله، كانت أهواءهم، مناسبة لعقيدتهم، وكانت دائرة، بين الشرك والتكذيب بالحق. فحري بهوى، هذا شأنه، أن ينهى الله خيار خلقه، عن اتباعه، وعن الشهادة مع أربابه. وعلم حينئذ، أن تحريمهم لما أحل الله، صادر عن تلك الأهواء المضلة. * (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون * ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون * وأن ه ذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) * يقول تعالى، لنبيه صلى الله عليه وسلم: * (قل) * لهؤلاء الذين حرموا ما أحل الله. * (تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم) * تحريما عاما، شاملا لكل أحد، محتويا على سائر المحرمات، من المآكل، والمشارب، والأقوال، والأفعال. * (ألا تشركوا به شيئا) * أي: لا قليلا ولا كثيرا. وحقيقة الشرك بالله: أن يعبد المخلوق، كما يعبد الله، أو يعظم كما يعظم الله، أو يصرف له نوع من خصائص الربوبية والإلهية. وإذا ترك العبد الشرك كله، صار موحدا، مخلصا لله في جميع أحواله. فهذا حق الله على عباده، أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئا. ثم بدأ بآكد الحقوق بعد حقه فقال: * (وبالوالدين إحسانا) * من الأقوال الكريمة الحسنة، والأفعال الجميلة المستحسنة. فكل قول وفعل، يحصل به منفعة للوالدين، أو سرور لهما، فإن ذلك من الإحسان، وإذا وجد الإحسان انتفى العقوق. * (ولا تقتلوا أولادكم) * من ذكور وإناث * (من إملاق) * أي: بسبب الفقر وضيقتكم من رزقهم، كما كان ذلك موجودا في الجاهلية القاسية الظالمة. وإذا كانوا منهيين عن قتلهم في هذه الحال، وهم أولادهم، فنهيهم عن قتلهم، لغير موجب، أو قتل أولاد غيرهم، من باب أولى، وأحرى. * (نحن نرزقكم وإياهم) * أي: قد تكفلنا برزق الجميع، فلستم الذين ترزقون أولادكم، بل ولا أنفسكم، فليس عليكم منهم ضيق. * (ولا تقربوا الفواحش) * وهي: الذنوب العظام المستفحشة. * (ما ظهر منها وما بطن) *
(٢٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 274 275 276 277 278 279 280 281 282 283 284 ... » »»