شيء منها، بأن لم يكن عنده شيء، وخاف على نفسه التلف. * (غير باغ) * أي: مريد لأكلها، من غير اضطرار. * (ولا عاد) * أي: متجاوز للحد، بأن يأكل زيادة عن حاجته. * (فإن ربك غفور رحيم) * أي: فالله قد سامح من كان بهذه الحال. واختلف العلماء رحمهم الله في هذا الحصر المذكور، في هذه الآية، مع أن ثم محرمات لم تذكر فيها، كالسباع، وكل ذي مخلب من الطير ونحو ذلك. فقال بعضهم: إن هذه الآية، نازلة قبل تحريم ما زاد، على ما ذكر فيها. فلا ينافي هذا الحصر المذكور فيها، التحريم المتأخر بعد ذلك؛ لأنه لم يجده فيما أوحي إليه في ذلك الوقت. وقال بعضهم: إن هذه الآية مشتملة على سائر المحرمات، بعضها صريحا، وبعضها يؤخذ من المعنى وعموم العلة. فإن قوله تعالى في تعليل الميتة والدم ولحم الخنزير، أو الأخير منها فقط: * (فإنه رجس) * وصف شامل لكل محرم. فإن المحرمات كلها، رجس، وخبث، وهي من أخبث الخبائث المستقذرة، التي حرمها الله على عباده، صيانة لهم، وتكرمة عن مباشرة الخبيث الرجس.
ويؤخذ تفاصيل الرجس المحرم، من السنة، فإنها تفسر القرآن، وتبين المقصود منه. فإذا كان الله تعالى، لم يحرم من المطاعم، إلا ما ذكر، والتحريم لا يكون مصدره، إلا شرع الله دل ذلك على أن المشركين، الذين حرموا ما رزقهم الله، مفترون على الله، متقولون عليه ما لم يقل. وفي الآية احتمال قوي، لولا أن الله ذكر فيها الخنزير. وهو: أن السياق في نقض أقوال المشركين المتقدمة، في تحريمهم ما أحله الله، وخوضهم بذلك، بحسب ما سولت لهم أنفسهم، وذلك في بهيمة الأنعام خاصة. وليس منها محرم إلا ما ذكر في الآية: الميتة منها، وما أهل لغير الله به، وما سوى ذلك، فحلال. ولعل مناسبة ذكر الخنزير هنا، على هذا الاحتمال، أن بعض الجهال، قد يدخله في بهيمة الأنعام، وأنه نوع من أنواع الغنم، كما قد يتوهمه جهلة النصارى وأشباههم، فينمونها، كما ينمون المواشي، ويستحلونها، ولا يفرقون بينها وبين الأنعام. فهذا المحرم على هذه الأمة كلها، من باب التنزيه لهم والصيانة. وأما ما حرم على أهل الكتاب، فبعضه طيب، ولكنه حرم عليهم، عقوبة لهم ولهذا قال: * (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر) * وذلك كالإبل، وما أشبهها. * (ومن البقر والغنم حرمنا عليهم) * بعض أجزائها، وهو: * (شحومهما) *. وليس المحرم جميع الشحوم منها، بل شحم الألية والترب، ولهذا استثنى الشحم الحلال من ذلك فقال: * (إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا) * أي: الشحم المخالط للأمعاء * (أو ما اختلط بعظم) *. * (ذلك) * التحريم على اليهود * (جزيناهم ببغيهم) * أي: ظلمهم وتعديهم في حقوق الله وحقوق عباده، فحرم الله عليهم هذه الأشياء، عقوبة لهم، ونكالا. * (وإنا لصادقون) * في كل ما نقول، ونفعل، ونحكم به. ومن أصدق من الله حديثا، ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون. * (فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين) * أي: فإن كذبك هؤلاء المشركون، فاستمر على دعوتهم، بالترغيب والترهيب، وأخبرهم بأن الله * (ذو رحمة واسعة) * أي: عامة شاملة لجميع المخلوقات كلها. فسارعوا إلى رحمته بأسبابها، التي رأسها وأساسها ومادتها، تصديق محمد صلى الله عليه وسلم فيما جاء به. * (ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين) * أي: الذين كثر إجرامهم وذنوبهم. فاحذروا الجرائم الموصلة، لبأس الله، التي أعظمها ورأسها، تكذيب محمد صلى الله عليه وسلم. * (سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون * قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين) * هذا إخبار من الله، أن المشركين سيحتجون على شركهم وتحريمهم، ما أحل الله بالقضاء والقدر، ويجعلون مشيئة الله الشاملة لكل شيء، من الخير والشر، حجة لهم في دفع اللوم عنهم. وقد قالوا ما أخبر الله أنهم سيقولونه، كما قال في الآية الأخرى: * (وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء) * الآية. فأخبر تعالى أن هذه الحجة، لم تزل الأمم المكذبة، تدفع بها عنهم دعوة الرسل، ويحتجون بها، فلم تجد فيهم شيئا، ولم تنفعهم، فلم يزل هذا دأبهم، حتى أهلكهم الله، وأذاقهم بأسه. فلو كانت حجة صحيحة، لدفعت عنهم العقاب، ولما أحل الله بهم العذاب، لأنه لا يحل بأسه إلا بمن استحقه. فعلم أنها حجة فاسدة، وشبهة كاسدة، من عدة أوجه: منها: ما ذكر الله من أنها لو كانت صحيحة، لم تحل بهم العقوبة. ومنها: أن الحجة، لا بد أن تكون حجة مستندة إلى العلم والبرهان. فأما إذا كانت مستندة إلى مجرد الظن والخرص، الذي لا يغني من الحق شيئا، فإنها باطلة، ولهذا قال: * (قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا) * فلو كان لهم علم وهم خصوم ألداء لأخرجوه، فلما لم يخرجوه علم أنه لا علم عندهم. * (إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون) * ومن بنى حججه على الخرص والظن، فهو مبطل