الظالمين) * أي: * (و) * خلق وأنشأ * (من الأنعام حمولة وفرشا) * أي: بعضها، تحملون عليه وتركبونه، وبعضها، لا تصلح للحمل والركوب عليها، لصغرها، كالفصلان ونحوها، وهي الفرش. فهي من جهة الحمل والركوب، تنقسم إلى هذين القسمين. وأما من جهة الأكل، وأنواع الانتفاع، فإنها كلها، تؤكل، وينتفع بها. ولهذا قال: * (كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان) * أي: طرقه وأعماله، التي من جملتها، أن تحرموا بعض ما رزقكم الله. * (إنه لكم عدو مبين) * فلا يأمركم إلا بما فيه مضرتكم وشقاؤكم الأبدي. وهذه الأنعام التي امتن الله بها على عباده، وجعلها كلها حلالا طيبا، فصلها بأنها: * (ثمانية أزواج من الضأن اثنين) * وذكر وأنثى * (ومن المعز اثنين) * كذلك. فهذه أربعة، كلها داخلة فيما أحل الله، لا فرق بين شيء منها. فقل لهؤلاء المتكلفين، الذين يحرمون منها شيئا دون شيء، أو يحرمون بعضها على الإناث دون الذكور، ملزما لهم بعدم وجود الفرق، بين ما أباحوا منها، وحرموا: * (آلذكرين) * من الضأن والمعز * (حرم) * الله، فلستم تقولون بذلك وتطردونه. * (أم الأنثيين) * حرم الله من الضأن والمعز، فليس هذا قولكم، لا تحريم الذكور الخلص، ولا الإناث الخلص من الصنفين. بقي إذا كان الرحم مشتملا على ذكر وأنثى، أو على مجهول فقال: * (أم) * تحرمون * (ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين) * أي: أنثى الضأن، وأنثى المعز، من غير فرق، بين ذكر وأنثى، فلستم تقولون أيضا بهذا القول. فإذا كنتم لا تقولون بأحد هذه الأقوال الثلاثة، التي حصرت الأقسام الممكنة في ذلك، فإلى أي شيء تذهبون؟ * (نبئوني بعلم إن كنتم صادقين) * في قولكم ودعواكم. ومن المعلوم أنهم لا يمكنهم أن يقولوا قولا سائغا في العقل، إلا واحدا من هذه الثلاثة. وهم لا يقولون بشيء منها. إنما يقولون: إن بعض الأنعام التي يصطلحون عليها اصطلاحات من عند أنفسهم، حرام على الإناث، دون الذكور، أو محرمة في وقت من الأوقات، أو نحو ذلك من الأقوال، التي يعلم علما لا شك فيه، أن مصدرها، من الجهل المركب، والعقول المختلفة المنحرفة، والآراء الفاسدة، وأن الله، ما أنزل بما قالوه من سلطان، ولا لهم عليه، حجة، ولا برهان. ثم ذكر في الإبل والبقر مثل ذلك. فلما بين بطلان قولهم، وفساده، قال لهم قولا، لا حيلة لهم في الخروج من تبعته، إلا في اتباع شرع الله. * (أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا) * أي: لم يبق عليكم إلا دعوى، لا سبيل لكم إلى صدقها وصحتها. وهي: أن تقولوا: إن الله وصانا بذلك، وأوحى إلينا كما أوحى إلى رسله. بل أوحى إلينا وحيا مخالفا لما دعت إليه الرسل، ونزلت به الكتب. وهذا افتراء لا يجهله أحد، ولهذا قال: * (فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم) * أي: مع كذبه وافترائه على الله، قصده بذلك، ضلال عباد الله عن سبيل الله، بغير بينة منه ولا برهان، ولا عقل ولا نقل. * (إن الله لا يهدي القوم الظالمين) * الذين لا إرادة لهم، في غير الظلم والجور، والافتراء على الله. * (قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم * وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهمآ إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايآ أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون) * لما ذكر تعالى ذم المشركين، على ما حرموا من الحلال، ونسبوه إلى الله، وأبطل قولهم. أمر تعالى رسوله، أن يبين للناس، ما حرمه الله عليهم، ليعلموا أن ما عدا ذلك حلال. من نسب تحريمه إلى الله، فهو كاذب مبطل، لأن التحريم لا يكون، إلا من عند الله على لسان رسوله، وقد قال لرسوله: * (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه) * أي: محرما أكله، بقطع النظر عن تحريم الانتفاع بغير الأكل وعدمه. * (إلا أن يكون ميتة) * والميتة: ما مات بغير ذكاة شرعية، فإن ذلك لا يحل. كما قال تعالى: * (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير) *. * (أو دما مسفوحا) * وهو: الدم الذي يخرج من الذبيحة عند ذكاتها، فإنه الدم الذي يضر احتباسه في البدن، فإذا خرج من البدن، زال الضرر بأكل اللحم. ومفهوم هذا اللفظ، أن الدم الذي يبقى في اللحم والعروق بعد الذبح، أنه حلال طاهر. * (أو لحم خنزير فإنه رجس) * أي: فإن هذه الأشياء الثلاثة، رجس، أي: خبث نجس مضر، حرمه الله، لطفا بكم، ونزاهة لكم عن مقاربة الخبائث. * (أو) * إلا أن تكون الذبيحة مذبوحة لغير الله، من الأوثان، والآلهة التي يعبدها المشركون، فإن هذا، من الفسق الذي هو الخروج عن طاعة الله إلى معصيته. * (فمن اضطر) * أي: ومع هذا، فهذه الأشياء المحرمات، من اضطر إليها، أي: حملته الحاجة والضرورة إلى أكل
(٢٧٧)