تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٢٥٧
نصرف الآيات) * أي: ننوعها، ونأتي بها في كل فن، ولتنير الحق، وتستبين سبيل المجرمين. * (ثم هم) * مع هذا البيان التام * (يصدفون) * عن آيات الله، ويعرضون عنها. * (قل أرأيتكم) * أي: أخبروني * (إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة) * أي: مفاجأة أو قد تقدم أمامه مقدمات، تعلمون بها وقوعه. * (هل يهلك إلا القوم الظالمون) * الذين صاروا سببا لوقوع العذاب بهم، بظلمهم وعنادهم. فاحذروا أن تقيموا على الظلم، فإنه الهلاك الأبدي، والشقاء السرمدي. * (وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون * والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون) * يذكر تعالى، زبدة ما أرسل به المرسلين، أنه البشارة والنذارة، وذلك مستلزم لبيان المبشر والمبشر به والأعمال التي إذا عملها العبد، حصلت له البشارة. والمنذر والمنذر به، والأعمال التي من عملها حقت عليه النذارة. ولكن الناس انقسموا بحسب إجابتهم لدعوتهم وعدمها إلى قسمين: * (فمن آمن وأصلح) * أي: آمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وأصلح إيمانه وأعماله ونيته * (فلا خوف عليهم) * فيما يستقبل * (ولا هم يحزنون) * على ما مضى. * (والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب) * أي: ينالهم، ويذوقونه * (بما كانوا يفسقون) *. * (قل لا أقول لكم عندي خزآئن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إلي قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون) * يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم؛ أن يخاطب المقترحين عليه الآيات أو القائلين له: إنما تدعونا لنتخذك إلها مع الله. * (ولا أقول لكم عندي خزائن الله) * أي: مفاتيح رزقه ورحمته. * (ولا أعلم الغيب) * وإنما ذلك كله عند الله. فهو الذي * (ما يفتح للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده) * وهو وحده عالم الغيب والشهادة. * (فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول) *. * (ولا أقول لكم إني ملك) * فأكون نافذ التصرف قويا، فلست أدعي فوق منزلتي، التي أنزلني الله بها. * (إن أتبع إلا ما يوحى إلي) * أي: هذا غايتي ومنتهى أمري وأعلاه، لا أتبع إلا ما يوحى إلي، فأعمل به في نفسي، وأدعو الخلق كلهم إلى ذلك. فإذا عرفت منزلتي، فلأي شيء يبحث الباحث معي، أو يطلب مني أمرا لست أدعيه. وهل يلزم الإنسان، بغير ما هو بصدده؟ ولأي شيء إذا دعوتكم، بما يوحى إلي تلزمونني أني أدعي لنفسي غير مرتبتي. وهل هذا، إلا ظلم منكم، وعناد، وتمرد؟ قل لهم في بيان الفرق، بين من قبل دعوتي، وانقاد لما أوحي إلي وبين من لم يكن كذلك * (قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون) * فتنزلون الأشياء منازلها، وتختارون ما هو أولى بالاختيار والإيثار؟ * (وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع لعلهم يتقون * ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين * وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أه ؤلاء من الله عليهم من بيننآ أليس الله بأعلم بالشاكرين * وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فإنه غفور رحيم * وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين) * هذا القرآن، نذارة للخلق كلهم، ولكن إنما ينتفع به * (الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم) *. فهم متيقنون للانتقال، من هذه الدار، إلى دار القرار، فلذلك يستصحبون ما ينفعهم ويدعون ما يضرهم. * (ليس لهم من دونه) * أي: من دون الله * (ولي ولا شفيع) * أي: لا من يتولى أمرهم؛ فيحصل لهم المطلوب، ويدفع عنهم المحذور، ولا من يشفع لهم، لأن الخلق كلهم، ليس لهم من الأمر شيء. * (لعلهم يتقون) * الله بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، فإن الإنذار موجب لذلك، وسبب من أسبابه. * (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه) * أي: لا تطرد عنك، وعن مجالستك، أهل العبادة والإخلاص، رغبة في مجالسة غيرهم، من الملازمين لدعاء ربهم، دعاء العبادة بالذكر والصلاة ونحوها، ودعاء المسألة، في أول النهار وآخره، وهم قاصدون بذلك، وجه الله، ليس لهم من الأغراض، سوى ذلك الغرض الجليل. فهؤلاء ليسوا مستحقين للطرد والإعراض عنهم، بل هم مستحقون لموالاتك إياهم ومحبتهم، وإدنائهم، وتقريبهم، لأنهم الصفوة من الخلق وإن كانوا فقراء، والأعزاء في الحقيقة وإن كانوا
(٢٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 252 253 254 255 256 257 258 259 260 261 262 ... » »»