تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٢٥٦
علم الله الشامل، لجميع الأشياء، وكتابه المحيط بجميع الموجودات، ومشيئته وقدرته العامة النافذة في كل شيء، وخلقه لجميع المخلوقات، حتى أفعال العباد. ويحتمل أن المراد بالكتاب، هذا القرآن، وأن المعنى كالمعنى في قوله تعالى: * (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء) *. وقوله: * (ثم إلى ربهم يحشرون) * أي: جميع الأمم تجمع وتحشر إلى الله في موقف القيامة، في ذلك الموقف العظيم الهائل. فيجازيهم بعدله وإحسانه، ويمضي عليهم حكمه الذي يحمده عليه الأولون والآخرون، أهل السماء وأهل الأرض. * (والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم) * هذا بيان لحال المكذبين بآيات الله، المكذبين لرسله، أنهم قد سدوا على أنفسهم باب الهدى، وفتحوا باب الردى. وأنهم * (صم) * عن سماع الحق * (وبكم) * عن النطق به، فلا ينطقون إلا بالباطل. * (في الظلمات) * أي: منغمسون في ظلمات الجهل، والكفر، والظلم، والعناد، والمعاصي. وهذا من إضلال الله إياهم، فإنه * (من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم) * لأنه المنفرد بالهداية والإضلال، بحسب ما اقتضاه فضله وحكمته. * (قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون) * يقول تعالى لرسوله: * (قل) * للمشركين بالله، العادلين به غيره: * (أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين) * أي: إذا حصلت هذه المشقات، وهذه الكروب، التي يضطر إلى دفعها، هل تدعون آلهتكم وأصنامكم، أم تدعون ربكم الملك الحق المبين. * (بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون) *. فإذا كانت هذه حالكم مع أندادكم عند الشدائد، تنسونهم، لعلمكم أنهم لا يملكون لكم ضرا ولا نفعا، ولا موتا، ولا حياة، ولا نشورا. وتخلصون لله الدعاء، لعلمكم أنه هو الضار النافع، المجيب لدعوة المضطر. فما بالكم في الرخاء، تشركون به، وتجعلون له شركاء؟ هل دلكم على ذلك، عقل أو نقل، أم عندكم من سلطان بهذا؟ أم تفترون على الله الكذب؟ * (ولقد أرسلنآ إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأسآء والضراء لعلهم يتضرعون * فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ول كن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون * فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون * فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين) * يقول تعالى: * (ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك) * من الأمم السالفين، والقرون المتقدمين، فكذبوا رسلنا، وجحدوا بآياتنا. * (فأخذناهم بالبأساء والضراء) * أي: بالفقر والمرض والآفات، والمصائب، رحمة منا بهم. * (لعلهم يتضرعون) * إلينا، ويلجأون عند الشدة إلينا. * (فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم) * أي: استحجرت فلا تلين للحق. * (وزين له الشيطان ما كانوا يعملون) * فظنوا أن ما هم عليه، دين الحق فتمتعوا في باطلهم برهة من الزمان، ولعب بعقولهم الشيطان.
* (فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء) * من الدنيا ولذاتها وغفلاتها. * (حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون) * أي: آيسون من كل خير، وهذا أشد ما يكون من العذاب، أن يؤخذوا على غرة، وغفلة وطمأنينة، ليكون أشد لعقوبتهم، وأعظم لمصيبتهم. * (فقطع دابر القوم الذين ظلموا) * أي: اصطلموا بالعذاب، وتقطعت بهم الأسباب. * (والحمد لله رب العالمين) * على ما قضاه وقدره، من هلاك المكذبين. فإن بذلك، تتبين آياته، وإكرامه لأوليائه، وإهانته لأعدائه، وصدق ما جاءت به المرسلون. * (قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إل ه غير الله يأتيكم به انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون * قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة هل يهلك إلا القوم الظالمون) * يخبر تعالى، أنه كما هو المتفرد بخلق الأشياء وتدبيرها، فإنه المنفرد بالوحدانية والإلهية فقال: * (قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم) * فبقيتم بلا سمع ولا بصر ولا عقل * (من إله غير الله يأتيكم به) *. فإذا لم يكن غير الله، يأتي بذلك، فلم عبدتم معه من لا قدرة له على شيء إلا إذا شاءه الله. وهذا من أدلة التوحيد وبطلان الشرك، ولهذا قال: * (انظر كيف
(٢٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 251 252 253 254 255 256 257 258 259 260 261 ... » »»