تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٢٦١
وفي هذا دليل على أنه ينبغي أن يستعمل المذكر من الكلام، ما يكون أقرب إلى حصول مقصود التقوى. وفيه دليل على أنه إذا كان التذكير والوعظ، مما يزيد الموعوظ شرا إلى شره، كان تركه هو الواجب، لأنه إذا ناقض المقصود، كان تركه مقصودا. * (وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها أول ئك الذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون) * المقصود من العباد، أن يخلصوا لله الدين، بأن يعبدوه وحده لا شريك له، ويبذلوا مقدورهم في مرضاته ومحابه. وذلك متضمن لإقبال القلب على الله وتوجهه إليه، وكون سعي العبد نافعا، وجدا، لا هزلا، وإخلاصا لوجه الله، لا رياء ولا سمعة. هذا هو الدين الحقيقي، الذي يقال له دين. فأما من زعم أنه على الحق، وأنه صاحب دين وتقوى، وقد اتخذ دينه لعبا ولهوا. بأن لها قلبه عن محبة الله ومعرفته، وأقبل على كل ما يضره، ولها في باطله، ولعب فيه ببدنه لأن العمل والسعي إذا كان لغير الله، فهو لعب. فهذا، أمر الله تعالى أن يترك ويحذر، ولا يغتر به، وتنظر حاله، ويحذر من أفعاله، ولا يغتر بتعويقه عما يقرب إلى الله. * (وذكر به) * أي: ذكر بالقرآن، ما ينفع العباد، أمرا، وتفصيلا، وتحسينا له، بذكر ما فيه من أوصاف الحسن، وما يضر العباد نهيا عنه، وتفصيلا لأنواعه، وبيان ما فيه، من الأوصاف القبيحة الشنيعة، الداعية لتركه. وكل هذا لئلا تبسل نفس بما كسبت، أي: قبل اقتحام العبد للذنوب وتجرؤه على علام الغيوب، واستمراره على ذلك المرهوب. فذكرها، وعظها، لترتدع وتنزجر، وتكف عن فعلها. وقوله: * (ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع) * أي: قبل أن تحيط بها ذنوبها، ثم لا ينفعها أحد من الخلق، لا قريب ولا صديق، ولا يتولاها من دون الله أحد، ولا يشفع لها شافع. * (وإن تعدل كل عدل) * أي: تفتدي بكل فداء، ولو بملء الأرض ذهبا * (لا يؤخذ منها) * أي: لا يقبل ولا يفيد. * (أولئك) * الموصوفون بما ذكر * (الذين أبسلوا) * أي: أهلكوا وأيسوا من الخير، وذلك * (بما كسبوا لهم شراب من حميم) * أي: ماء حار، قد انتهى حره، يشوي وجوههم، ويقطع أمعاءهم * (وعذاب أليم بما كانوا يكفرون) *. * (قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا قل إن هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب العالمين * وأن أقيموا الصلاة واتقوه وهو الذي إليه تحشرون * وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق ويوم يقول كن فيكون قوله الحق وله الملك يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير) * * (قل) * يا أيها الرسول للمشركين بالله، الداعين معه غيره، الذين يدعونكم إلى دينهم، مبينا وشارحا لوصف آلهتهم، التي يكتفي العاقل بذكر وصفها، عن النهي عنها. فإن كل عاقل إذا تصور مذهب المشركين، جزم ببطلانه، قبل أن تقام البراهين على ذلك، فقال: * (أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا) *. وهذا وصف، يدخل فيه، كل من عبد من دون الله، فإنه لا ينفع ولا يضر، وليس له من الأمر شيء، إن الأمر إلا لله. * (ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله) * أي: ننقلب بعد هداية الله لنا إلى الضلال، ومن الرشد إلى الغي، ومن الصراط الموصل إلى جنات النعيم، إلى الطرق التي تفضي بسالكها إلى العذاب الأليم. فهذه حال لا يرتضيها ذو رشد، وصاحبها * (كالذي استهوته الشياطين في الأرض) * أي: أضلته وتيهته عن طريقه ومنهجه، الموصل إلى مقصده. فبقي * (حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى) * والشياطين يدعونه إلى الردى، فبقب بين الداعيين حائرا. وهذه حال الناس كلهم، إلا من عصمه الله تعالى، فإنهم يجدون فيهم جواذب ودواعي متعارضة، دواعي الرسالة والعقل الصحيح، والفطرة المستقيمة. * (يدعونه إلى الهدى) * والصعود إلى أعلى عليين. ودواعي الشيطان، ومن سلك مسلكه، والنفس الأمارة بالسوء، يدعونه إلى الضلال، والنزول إلى أسفل سافلين. فمن الناس من يكون مع دواعي الهدى، في أموره كلها أو أغلبها. ومنهم من بالعكس من ذلك. ومنهم من يتساوى لديه الداعيان، ويتعارض عنده الجاذبان. وفي هذا الموضع، تعرف أهل السعادة من أهل الشقاوة. وقوله: * (قل إن هدى الله هو الهدى) * أي: ليس الهدى إلا الطريق
(٢٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 256 257 258 259 260 261 262 263 264 265 266 ... » »»