ويرزقهم لانجذبت، دواعيهم إلى معرفته، وذهلت عقولهم في حبه. ولمقتوا أنفسهم أشد المقت، حيث انقادوا لداعي الشيطان، الموجب للخزي والخسران، ولكنهم قوم لا يعقلون. * (قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون) * أي: * (قل) * للمشركين بالله، الداعين معه آلهة أخرى، ملزما لهم بما أثبتوه من توحيد الربوبية، على ما أنكروه من توحيد الإلهية. * (من ينجيكم من ظلمات البر والبحر) * أي: شدائدهما ومشقاتهما، وحين يتعذر أو يتعسر عليكم، وجه الحيلة، فتدعون ربكم تضرعا، بقلب خاضع، ولسان لا يزال يلهج بحاجته في الدعاء، وتقولون وأنتم في تلك الحال: * (لئن أنجانا من هذه) * الشدة التي وقعنا فيها * (لنكونن من الشاكرين) * لله أي المعترفين بنعمته، الواضعين لها في طاعة ربهم، الذين حفظوها عن أن يبذلوها في معصيته. * (قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب) * أي: من هذه الشدة الخاصة، ومن جميع الكروب العامة. * (ثم أنتم تشركون) * لا تفون لله بما قلتم، وتنسون نعمه عليكم. فأي برهان أوضح من هذا؛ على بطلان الشرك، وصحة التوحيد؟ * (قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل لكل نبإ مستقر وسوف تعلمون) * أي: هو تعالى؛ قادر على إرسال العذاب إليكم من كل جهة. * (من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم) * أي: يخلطكم * (شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض) * أي: في الفتنة، وقتل بعضكم بعضا. فهو قادر على ذلك كله، فاحذروا من الإقامة على معاصيه، فيصيبكم من العذاب، ما يتلفكم ويمحقكم، ومع هذا فقد أخبر أنه قادر على ذلك. ولكن من رحمته، أن رفع عن هذه الأمة العذاب من فوقهم بالرجم، والحصب، ونحوه، ومن تحت أرجلهم؛ بالخسف. ولكن عاقب من عاقب منهم، بأن أذاق بعضهم بأس بعض، وسلط بعضهم على بعض هذه العقوبات المذكورة، عقوبة عاجلة يراها المعتبرون، ويشعر بها العاملون. * (انظر كيف نصرف الآيات) * أي: ننوعها، ونأتي بها على أوجه كثيرة وكلها دالة على الحق. * (لعلهم يفقهون) * أي: يفهمون ما خلقوا من أجله، ويفقهون الحقائق الشرعية، والمطالب الإلهية. * (وكذب به) * أي: بالقرآن * (قومك وهو الحق) * الذي لا مرية فيه، ولا شك يعتريه. * (قل لست عليكم بوكيل) * أحفظ أعمالكم، وأجازيكم عليها، وإنما أنا منذر ومبلغ. * (لكل نبإ مستقر) * أي: وقت يستقر فيه، وزمان لا يتقدم عنه ولا يتأخر. * (وسوف تعلمون) * ما توعدون به من العذاب. * (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين * وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ول كن ذكرى لعلهم يتقون) * المراد بالخوض في آيات الله: التكلم بما يخالف الحق، من تحسين المقالات الباطلة، والدعوة إليها، ومدح أهلها، والإعراض عن الحق، والقدح فيه وفي أهله. فأمر الله رسوله أصلا، وأمته تبعا، إذا رأوا من يخوض بآيات الله بشيء مما ذكر، بالإعراض عنهم، وعدم حضور مجالس الخائضين بالباطل والاستمرار على ذلك، حتى يكون البحث والخوض في كلام غيره. فإذا كان في كلام غيره، زال النهي المذكور. فإن كان مصلحة، كان مأمورا به، وإن كان غير ذلك، كان غير مفيد ولا مأمور به. وفي ذم الخوض بالباطل، حث على البحث، والنظر، والمناظرة بالحق. ثم قال: * (وإما ينسينك الشيطان) * أي: بأن جلست معهم، على وجه النسيان والغفلة. * (فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين) * يشمل الخائضين بالباطل، وكل متكلم بمحرم، أو فاعل لمحرم، فإنه يحرم الجلوس والحضور، عند حضور المنكر، الذي لا يقدر على إزالته. هذا النهي والتحريم، لمن جلس معهم، ولم يستعمل تقوى الله، بأن كان يشاركهم في القول والعمل المحرم، أو يسكت عنهم، وعن الإنكار. فإن استعمل تقوى الله تعالى، بأن كان يأمرهم بالخير، وينهاهم عن الشر والكلام الذي يصدر منهم، فيترتب على ذلك زواله وتخفيفه فهذا ليس عليه حرج ولا إثم، ولهذا قال: * (وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ولكن ذكرى لعلهم يتقون) * أي: ولكن ليذكرهم، ويعظهم، لعلهم يتقون الله تعالى.
(٢٦٠)