قال بالمعجزات الباهرة، والآيات الظاهرة، وينصره، ويخذل من خالفه وعاداه، فأي شهادة أكبر من هذه الشهادة؟ وقوله: * (وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ) * أي: وأوحى الله إلي هذا القرآن، لمنفعتكم ومصلحتكم، لأنذركم به، من العقاب الأليم. والنذارة، إنما تكون بذكر ما ينذرهم به، من الترغيب، والترهيب، وببيان الأعمال والأقوال، الظاهرة والباطنة، التي من قام بها، فقد قبل النذارة. فهذا القرآن، فيه النذارة لكم، أيها المخاطبون، وكل من بلغه القرآن إلى يوم القيامة، فإن فيه بيان كل ما يحتاج إليه من المطالب الإلهية. لما بين تعالى شهادته، التي هي أكبر الشهادات على توحيده، قال: قل لهؤلاء المعارضين لخبر الله، والمكذبين لرسله: * (أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد) * أي: إن شهدوا، فلا تشهد معهم. فوازن بين شهادة أصدق القائلين، ورب العالمين، وشهادة أزكى الخلق المؤيدة بالبراهين القاطعة والحجج الساطعة، على توحيد الله، وحده لا شريك له، وشهادة أهل الشرك، الذين مرجت عقولهم وأديانهم، وفسدت آراؤهم وأخلاقهم، وأضحكوا على أنفسهم العقلاء. بل خالفت شهادتهم فطرهم، وتناقضت أقوالهم على إثبات أن مع الله آلهة أخرى. مع أنه لا يقوم على ما خالفوه أدنى شبهة، فضلا عن الحجج. واختر لنفسك أي الشهادتين، إن كنت تعقل. ونحن نختار لأنفسنا، ما اختاره الله لنبيه، الذي أمرنا الله بالاقتداء به فقال: * (قل إنما هو إله واحد) * أي: منفرد، لا يستحق العبودية والإلهية سواه، كما أنه المنفرد بالخلق والتدبير. * (وإنني بريء مما تشركون) * به، من الأوثان، والأنداد، وكل ما أشرك به مع الله. فهذا حقيقة التوحيد، إثبات الإلهية لله ونفيها عما عداه. لما بين شهادته، وشهادة رسوله على التوحيد، وشهادة المشركين، الذين لا علم لديهم على ضده، ذكر أن أهل الكتاب من اليهود والنصارى. * (يعرفونه) * أي: يعرفون صحة التوحيد * (كما يعرفون أبناءهم) * أي: لا شك عندهم فيه، بوجه، كما أنهم لا يشتبهون بأولادهم، خصوصا البنين الملازمين في الغالب لآبائهم. ويحتمل أن الضمير، عائد إلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وأن أهل الكتاب لا يشتبهون بصحة رسالته، ولا يمترون بها، لما عندهم من البشارات به، ونعوته التي تنطبق عليه، ولا تصلح لغيره. والمعنيان متلازمان. قوله: * (الذين خسروا أنفسهم) * أي: فوتوها ما خلقت له، من الإيمان والتوحيد، وحرموها الفضل من الملك المجيد * (فهم لا يؤمنون) *. فإذا لم يوجد الإيمان منهم، فلا تسأل عن الخسار والشر، الذي يحصل لهم. * (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح الظالمون) * أي: لا أعظم ظلما وعنادا، ممن كان فيه أحد الوصفين، فكيف لو اجتمعا، افتراء الكذب على الله، أو التكذيب بآياته، التي جاءت بها المرسلون، فإن هذا، أظلم الناس، والظالم لا يفلح أبدا. ويدخل في هذا، كل من كذب على الله، بادعاء الشريك له والمعين وزعم أنه ينبغي أن يعبد غيره أو اتخذ له صاحبة أو ولدا، وكل من رد الحق الذي جاءت به الرسل أو من قام مقامهم. * (ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون) * يخبر تعالى عن مآل أهل الشرك يوم القيامة وأنهم يسألون ويوبخون فيقال لهم: * (أي شركاؤكم الذين كنتم تزعمون) * أي: إن الله ليس له شريك، وإنما ذلك على وجه الزعم منهم والافتراء * (ثم لم تكن فتنتهم) * أي: لم يكن جوابهم حين يفتنون ويختبرون بذلك السؤال إلا إنكارهم لشركهم وحلفهم أنهم ما كانوا مشركين * (انظر) * متعجبا منهم ومن أحوالهم. * (كيف كذبوا على أنفسهم) * أي: كذبوا كذبا عاد بالخسار على أنفسهم وضرهم والله غاية الضرر * (وضل عنهم ما كانوا يفترون) * من الشركاء الذين زعموهم مع الله، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. * (ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتى إذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن ه ذآ إلا أساطير الأولين) * أي: ومن هؤلاء المشركين، قوم يحملهم بعض الأوقات، بعض الدواعي إلى الاستماع. ولكنه استماع خال من قصد الحق واتباعه، ولهذا لا ينتفعون بذلك الاستماع، لعدم
(٢٥٣)