تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٢٥٤
إرادتهم للخير. * (وجعلنا على قلوبهم أكنة) * أي: أغطية وأغشية، لئلا يفقهوا كلام الله، فصان كلامه عن أمثال هؤلاء. * (وفي آذانهم) * جعلنا * (وقرا) * أي: صمما، فلا يستمعون ما ينفعهم. * (وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها) *، وهذا غاية الظلم والعناد، أن الآيات البينات الدالة على الحق، لا ينقادون لها، ولا يصدقون بها، بل يجادلون بالباطل، ليدحضوا به الحق. ولهذا قال: * (حتى إذا جاؤوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين) * أي: مأخوذ من صحف الأولين المسطورة، التي ليست عن الله، ولا عن رسله. وهذا من كفرهم، وإلا فكيف يكون هذا الكتاب الحاوي لأنباء السابقين واللاحقين، والحقائق التي جاءت بها الأنبياء والمرسلون، والحق، والقسط، والعدل التام، من كل وجه، أساطير الأولين؟ * (وهم ينهون عنه وينأون عنه وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون) * وهم: أي المشركون بالله، المكذبون لرسوله، يجمعون بين الضلال والإضلال. ينهون الناس عن اتباع الحق، ويحذرونهم منه، ويبعدون بأنفسهم عنه. ولن يضربوا الله ولا عباده المؤمنين، بفعلهم هذا، شيئا، * (إن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون) * بذلك. * (ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين) * يقول تعالى مخبرا عن حال المشركين يوم القيامة، وإحضارهم النار: * (ولو ترى إذ وقفوا على النار) * ليوبخوا ويقرعوا، لرأيت أمرا هائلا، وحالا مفظعة. ولرأيتهم كيف أقروا على أنفسهم بالكفر والفسوق، وتمنوا أن لو يردون إلى الدنيا. * (فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل) *. فإنهم كانوا يخفون في أنفسهم، أنهم كانوا كاذبين، ويبدو في قلوبهم، في كثير من الأوقات. ولكن الأغراض الفاسدة، صدتهم عن ذلك، وصدفت قلوبهم عن الخير، وهم كذبة في هذه الأمنية وإنما قصدهم، أن يدفعوا بها عن أنفسهم العذاب. * (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون) *. * (وقالوا) * منكرين للبعث * (إن هي إلا حياتنا الدنيا) * أي: ما حقيقة الحال والأمر وما المقصود من إيجادنا، إلا الحياة الدنيا وحدها. * (وما نحن بمبعوثين) *. * (ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس ه ذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون) * أي: * (ولو ترى) * الكافرين * (إذ وقفوا على ربهم) * لرأيت أمرا عظيما، وهولا جسيما. * (قال) * لهم موبخا ومقرعا * (أليس هذا) * الذي ترون من العذاب * (بالحق قالوا بلى وربنا) * فأقروا، واعترفوا، حيث لا ينفعهم ذلك. * (قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون) *. * (قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون) * أي: قد خاب وخسر، وحرم الخير كله، من كذب بلقاء الله، فأوجب له هذا التكذيب، الاجتراء على المحرمات، واقتراف الموبقات. * (حتى إذا جاءتهم الساعة) * وهم على أقبح حال وأسوئه، فأظهروا غاية الندم. * (وقالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها) * ولكن هذا تحسر ذهب وقته. * (وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون) *. فإن وزرهم وزر يثقلهم، ولا يقدرون على التخلص منه، ولهذا خلدوا في النار، واستحقوا التأبيد في غضب الجبار. * (وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون) * أما حقيقة الدنيا: فإنها لعب ولهو، لعب في الأبدان، ولهو في القلوب. فالقلوب لها والهة، والنفوس لها عاشقة، والهموم فيها متعلقة، والاشتغال بها، كلعب الصبيان. وأما الآخرة، فإنها * (خير للذين يتقون) * في ذاتها وصفاتها، وبقائها ودوامها. وفيها ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين، من نعيم القلوب والأرواح، وكثرة السرور والأفراح. ولكنها ليست لكل أحد، وإنما هي للمتقين، الذين يفعلون أوامر الله، ويتركون نواهيه وزواجره. * (أفلا تعقلون) * أي: أفلا يكون لكم عقول، بها تدركون، أي الدارين أحق بالإيثار. * (قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ول كن الظالمين بآيات الله يجحدون * ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبإ المرسلين * وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين) * أي: قد نعلم أن الذي يقول المكذبون فيك، يحزنك ويسوءك. ولم
(٢٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 249 250 251 252 253 254 255 256 257 258 259 ... » »»