نأمرك بما أمرناك به من الصبر، إلا لتحصل لك المنازل العالية والأحوال الغالية. فلا تظن أن قولهم، صادر عن اشتباه في أمرك، وشك فيك. * (فإنهم لا يكذبونك) * لأنهم يعرفون صدقك، ومدخلك ومخرجك، وجميع أحوالك، حتى إنهم كانوا يسمونه قبل بعثته الأمين. * (ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون) * أي: فإن تكذيبهم لآيات الله، التي جعلها الله على يديك. * (ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا) *. فاصبر كما صبروا، تظفر كما ظفروا. * (ولقد جاءك من نبإ المرسلين) * ما به يثبت فؤادك، ويطمئن به قلبك. * (وإن كان كبر عليك إعراضهم) * أي: شق عليك، من حرصك عليهم، ومحبتك لإيمانهم، فابذل وسعك في ذلك، فليس في مقدورك، أن تهدي من لم يرد الله هدايته. * (فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية) * أي: فافعل ذلك، فإنه لا يفيدهم شيئا. وهذا قطع لطمعه في هداية أشباه هؤلاء المعاندين. * (ولو شاء الله لجمعهم على الهدى) * ولكن حكمته تعالى، اقتضت أنهم يبقون على الضلال. * (فلا تكونن من الجاهلين) * الذين لا يعرفون حقائق الأمور، ولا ينزلونها على منازلها. * (إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون * وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه قل إن الله قادر على أن ينزل آية ول كن أكثرهم لا يعلمون) * يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: * (إنما يستجيب) * لدعوتك، ويلبي رسالتك، وينقاد لأمرك ونهيك * (الذين يسمعون) * بقلوبهم، ما ينفعهم وهم أولو الألباب والأسماع. والمراد بالسماع هنا: سماع القلب والاستجابة، وإلا فمجرد سماع الأذن، يشترك فيه البر والفاجر. فكل المكلفين قد قامت عليهم حجة الله تعالى، باستماع آياته، فلم يبق لهم عذر، في عدم القبول. * (والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون) * يحتمل أن المعنى، مقابل للمعنى المذكور. أي: إنما يستجيب لك أحياء القلوب. وأما أموات القلوب، الذين لا يشعرون بسعادتهم، ولا يحسون بما ينجيهم، فإنهم لا يستجيبون لذلك، ولا ينقادون، وموعدهم يوم القيامة، يبعثهم الله، ثم إليه يرجعون. ويحتمل أن المراد بالآية، على ظاهرها، وأن الله تعالى يقرر المعاد، وأنه سيبعث الأموات يوم القيامة ثم ينبئهم بما كانوا يعملون. ويكون هذا، متضمنا للترغيب في الاستجابة، لله ورسوله، والترهيب من عدم ذلك. * (وقالوا) * أي: المكذبون بالرسول، تعنتا وعنادا: * (لولا نزل عليه آية من ربه) *. يعنون بذلك، آيات الاقتراح، التي يقترحونها بعقولهم الفاسدة، وآرائهم الكاسدة. كقولهم: * (وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا) * الآيات. * (قل) * مجيبا لقولهم: * (إن الله قادر على أن ينزل آية) * فليس في قدرته قصور عن ذلك. كيف، وجميع الأشياء منقادة لعزته، مذعنة لسلطانه؟ * (ولكن أكثرهم لا يعلمون) * فهم لجهلهم وعدم علمهم يطلبون ما هو شر لهم من الآيات، التي لو جاءتهم، فلم يؤمنوا بها لعوجلوا بالعقاب، كما هي سنة الله، التي لا تبديل لها. ومع هذا، فإن كان قصدهم، الآيات التي تبين لهم الحق، وتوضح السبيل. فقد أتى محمد صلى الله عليه وسلم، بكل آية قاطعة، وحجة ساطعة، دالة على ما جاء به من الحق، بحيث يتمكن العبد في كل مسألة من مسائل الدين، أن يجد فيما جاء به، عدة أدلة عقلية ونقلية، بحيث لا يتبقى في القلوب، أدنى شك وارتياب. فتبارك الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، وأيده بالآيات البينات ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة، وإن الله لسميع عليم. * (وما من دآبة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون) * أي: جميع الحيوانات، الأرضية والهوائية، من البهائم والوحوش، والطيور، كلها أمم أمثالكم خلقناه كما خلقناكم، ورزقناها كما رزقناكم ونفذت فيها مشيئتنا وقدرتنا، كما كانت نافذة فيكم. * (ما فرطنا في الكتاب من شيء) * أي: ما أهملنا ولا أغفلنا، في اللوح المحفوظ، شيئا من الأشياء. بل جميع الأشياء، صغيرها، وكبيرها، مثبتة في اللوح المحفوظ، على ما هي عليه. فتقع جميع الحوادث، طبق ما جرى به القلم. وفي هذه الآية، دليل على أن الكتاب الأول، قد حوى جميع الكائنات. وهذا أحد مراتب القضاء والقدر، فإنها أربع مراتب:
(٢٥٥)