وهو أصدق المخبرين. وقد أقام على ذلك، من الحجج والبراهين. ما يجعله حق اليقين. ولكن أبى الظالمون إلا جحودا، وأنكروا قدرة الله على بعث الخلائق، فأوضعوا في معاصيه، وتجرأوا على الكفر به، فخسروا دنياهم وأخراهم. ولهذا قال: * (الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون) *. * (وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم * قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السماوات والأرض وهو يطعم ولا يطعم قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم ولا تكونن من المشركين * قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم * من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه وذلك الفوز المبين * وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير * وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير * قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إلي ه ذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد قل إنما هو إل ه واحد وإنني بريء مما تشركون * الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبنآءهم الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون) * اعلم أن هذه السورة الكريمة، قد اشتملت على تقرير التوحيد، بكل دليل عقلي، ونقلي. بل كادت أن تكون كلها، في شأن التوحيد، ومجادلة المشركين بالله، المكذبين لرسوله. فهذه الآيات، ذكر الله فيها، ما يتبين به الهدى، وينقمع به الشرك. فذكر أن * (له) * تعالى * (ما سكن في الليل والنهار) *. وذلك هو المخلوقات كلها، من آدميها، وجنها، وملائكتها، وحيواناتها وجماداتها. فالكل خلق مدبرون، وعبيد مسخرون لربهم العظيم، القاهر المالك. فهل يصح في عقل ونقل، أن يعبد من هؤلاء المماليك، الذي لا نفع عنده ولا ضر؟ ويترك الإخلاص للخالق، المدبر المالك، الضار النافع؟ أم العقول السليمة، والفطر المستقيمة، تدعو إلى إخلاص العبادة، والحب، والخوف، والرجاء لله رب العالمين؟ * (السميع) * لجميع الأصوات، على اختلاف اللغات، بتفنن الحاجات. * (العليم) * بما كان، وما يكون، وما لم يكن، لو كان كيف كان يكون، المطلع على الظواهر والبواطن؟ * (قل) * لهؤلاء المشركين بالله: * (أغير الله أتخذ وليا) * من هؤلاء المخلوقات العاجزة، يتولاني، وينصرني؟ فلا أتخذ من دونه تعالى وليا لأنه، فاطر السماوات والأرض، أي: خالقهما ومدبرهما. * (وهو يطعم ولا يطعم) * أي: وهو الرازاق لجميع الخلق، عن غير حاجة منه تعالى إليهم. فكيف يليق أن أتخذ وليا غير الخالق الرازق، الغني، الحميد؟ * (قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم) * لله بالتوحيد، وانقاد له بالطاعة. لأني أولى من غيري، بامتثال أوامر ربي. * (ولا تكونن من المشركين) * أي: ونهيت أيضا، عن أن أكون من المشركين، لا في اعتقادهم، ولا في مجالستهم، ولا في الاجتماع بهم، فهذا أفرض الفروض علي، وأوجب الواجبات. * (قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم) * فإن المعصية في الشرك، توجب الخلود في النار، وسخط الجبار. وذلك اليوم، هو اليوم الذي يخاف عذابه، ويحذر عقابه؛ لأنه من صرف عنه العذاب يومئذ، فهو المرحوم، ومن نجا فيه، فهو الفائز حقا. كما أن من لم ينج منه، فهو الهالك الشقي. ومن أدلة توحيده، أنه تعالى، المنفرد بكشف الضراء، وجلب الخير والسراء. ولهذا قال: * (وإن يمسسك الله بضر) * من فقر، أو مرض، أو عسر، أو غم، أو هم أو نحوه. * (فلا كاشف له إلا هو، وإن يمسسك بخير، فهو على كل شيء قدير) *. فإذا كان وحده النافع الضار، فهو الذي يستحق أن يفرد بالعبودية والإلهية. * (وهو القاهر فوق عباده) * فلا يتصرف منهم متصرف، ولا يتحرك متحرك، ولا يسكن ساكن، إلا بمشيئته. وليس للملوك وغيرهم، الخروج عن ملكه وسلطانه، بل هم مدبرون مقهورون. فإذا كان هو القاهر، وغيره مقهور، كان هو المستحق للعبادة. * (وهو الحكيم) * فيما أمر به ونهى، وأثاب، وعاقب، وفيما خلق وقدر. * (الخبير) * المطلع على السرائر والضمائر، وخفايا الأمور، وهذا كله من أدلة التوحيد. * (قل) * لهم لما بينا لهم الهدى، وأوضحنا لهم المسالك: * (أي شيء أكبر شهادة) * على هذا الأصل العظيم. * (قل الله) * أكبر شهادة، فهو * (شهيد بيني وبينكم) * فلا أعظم منه شهادة، ولا أكبر، وهو يشهد لي بإقراره وفعله، فيقرني على ما قلت لكم. كما قال تعالى: * (ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين) *. فالله حكيم قدير، فلا يليق بحكمته وقدرته، أن يقر كاذبا عليه، زاعما أن الله أرسله ولم يرسله، وأن الله أمره بدعوة الخلق، ولم يأمره، وأن الله أباح له دماء من خالفه، وأموالهم ونساءهم، وهو مع ذلك، يصدقه بإقراره وبفعله، فيؤيده على ما
(٢٥٢)