تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٢٦٢
التي شرعها الله على لسان رسوله، وما عداه فهو ضلال وردى وهلاك. * (وأمرنا لنسلم لرب العالمين) * بأن ننقاد لتوحيده، ونستسلم لأوامره ونواهيه، وندخل تحت عبوديته. فإن هذا أفضل نعمة أنعم الله بها على العباد، وأكمل تربية أوصلها إليهم. * (وأن أقيموا الصلاة) * أي: وأمرنا أن نقيم الصلاة بأركانها وشروطها وسننها ومكملاتها. * (واتقوه) * بفعل ما أمر به، واجتناب ما عنه نهى. * (وهو الذي إليه تحشرون) * أي: تجمعون ليوم القيامة، فيجازيكم بأعمالكم، خيرها وشرها. * (وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق) * ليأمر العباد وينهاهم، ويثيبهم ويعاقبهم. * (ويوم يقول كن فيكون قوله الحق) * الذي لا مرية فيه ولا مثنوية، ولا يقول شيئا عبثا. * (وله الملك يوم ينفخ في الصور) * أي: يوم القيامة خصه بالذكر مع أنه مالك كل شيء لأنه تنقطع فيه الأملاك، فلا يبقى ملك إلا الله الواحد القهار. * (عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير) * الذي له الحكمة التامة، والنعمة السابغة، والإحسان العظيم، والعلم المحيط بالسرائر والبواطن والخفايا، لا إله إلا هو، ولا رب سواه. * (وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين * وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين * فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال ه ذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين * فلما رأى القمر بازغا قال ه ذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين * فلما رأى الشمس بازغة قال ه ذا ربي ه ذآ أكبر فلما أفلت قال يقوم إني بريء مما تشركون * إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا ومآ أنا من المشركين * وحآجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هداني ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون * وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون * الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أول ئك لهم الأمن وهم مهتدون * وتلك حجتنآ آتيناهآ إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشآء إن ربك حكيم عليم) * يقول تعالى: واذكر قصة إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، مثنيا عليه ومعظما في حال دعوته إلى التوحيد، ونهيه عن الشرك. * (وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة) * أي: لا تنفع ولا تضر وليس لها من الأمر شيء. * (إني أراك وقومك في ضلال مبين) * حيث عبدتم من لا يستحق من العبادة شيئا، وتركتم عبادة خالقكم، ورازقكم، ومدبركم. * (وكذلك) * حين وفقناه للتوحيد والدعوة إليه * (نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض) * أي: ليرى ببصيرته، ما اشتملت عليه، من الأدلة القاطعة، والبراهين الساطعة * (وليكون من الموقنين) *. فإنه بحسب قيام الأدلة، يحصل له الإيقان، والعلم التام، بجميع المطالب. * (فلما جن عليه الليل) * أي: أظلم * (رأى كوكبا) * لعله من الكواكب المضيئة، لأن تخصيصه بالذكر، يدل على زيادته عن غيره. ولهذا والله أعلم قال من قال: إنه الزهرة. * (قال هذا ربي) * أي: على وجه التنزل مع الخصم أي: هذا ربي، فهلم ننظر، هل يستحق الربوبية؟ وهل يقوم لنا دليل على ذلك؟ فإنه لا ينبغي لعاقل أن يتخذ إلهه هواه بغير حجة ولا برهان. * (فلما أفل) * أي: غاب ذلك الكوكب * (قال لا أحب الآفلين) * أي: الذي يغيب ويختفي عمن عبده. فإن المعبود، لا بد أن يكون قائما بمصالح من عبده، ومدبرا له في جميع شؤونه. فأما الذي يمضي وقت كثير وهو غائب، فمن أين يستحق العبادة؟ وهل اتخاذه إلها إلا من أسفه السفه، وأبطل الباطل؟ * (فلما رأى القمر بازغا) * أي: طالعا، رأى زيادته على نور الكواكب ومخالفته لها * (قال هذا ربي) * تنزلا. * (فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين) * فافتقر غاية الافتقار إلى هداية ربه، وعلم أنه إن لم يهده الله، فلا هادي له، وإن لم يعنه على طاعته، فلا معين له. * (فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر) * من الكوكب ومن القمر. * (فلما أفلت) * تقرر حينئذ الهدى، واضمحل الردى * (قال يا قوم إني بريء مما تشركون) * حيث قام البرهان الصادق الواضح، على بطلانه. * (إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا) * أي: لله وحده، مقبلا عليه، معرضا عن من سواه. * (وما أنا من المشركين) * فتبرأ من الشرك، وأذعن بالتوحيد، وأقام على ذلك البرهان. وهذا الذي ذكرنا في تفسير هذه الآيات هو الصواب. وهو أن المقام مقام مناظرة، من إبراهيم لقومه، وبيان بطلان إلهية هذه الأجرام العلوية وغيرها. وأما من قال: إنه مقام نظر في حال طفوليته، فليس عليه دليل. * (وحاجه قومه قال: أتحاجوني في الله وقد هداني) * أي: أي فائدة لمحاجة من لم يتبين له الهدى؟ فأما من هداه الله، ووصل إلى أعلى درجات اليقين، فإنه هو بنفسه يدعو الناس إلى ما هو عليه. * (ولا أخاف ما تشركون به) * فإنها لن تضرني، ولن تمنع عني من النفع شيئا. * (إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون) * فتعلمون أنه وحده المعبود المستحق للعبودية. * (وكيف أخاف ما أشركتم) * وحالها حال العجز، وعدم النفع، * (ول
(٢٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 257 258 259 260 261 262 263 264 265 266 267 ... » »»