فقرأ عليه * (للفقراء المهاجرين) * الآية، ثم قال: هؤلاء المهاجرون أفمنهم أنت؟ قال: لا، ثم قرأ عليه * (والذين تبوءوا الدار والإيمان) * (الحشر: 9) الآية، ثم قال: هؤلاء الأنصار أفمنهم أنت؟ قال: لا. ثم قرأ عليه * (والذين جاءوا من بعدهم) * الآية، ثم قال: أفمن هؤلاء أنت؟ قال: أرجو قال: لا والله ليس من هؤلاء من سب هؤلاء.
وفي رواية أن ابن عمر رضي الله تعالى عنه بلغه أن رجلا نال من عثمان رضي الله تعالى عنه فدعاه فقرأ عليه الآيات وقال له ما قال، وقال الإمام مالك: من كان له في أحد من الصحابة رضي الله تعالى عنهم قول سيء أو بغض فلاحظ له في الفىء أخذا من هذه الآية، وفيها ما يدل على ذم الغل لأحد من المؤمنين، وفي حديث أخرجه الحكيم الترمذي. والنسائي عن أنس رضي الله تعالى عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: في أيام ثلاثة يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فطلع فيها رجل من الأنصار فبات معه عبد الله بن عمرو بن العاص ثلاث ليال مستكشفا حاله فلم ير له كثير عمل فأخبره الخبر فقال له: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي غلا لأحد من المسلمين ولا أحسده على خير أعطاه الله تعالى إياه فقال له عبد الله: هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق - وفي رواية - أنه قال: لو كانت الدنيا لي فأخذت مني لم أحزن عليها ولو أعطيته لم أفرح بها وأبيت وليس في قلبي غل على أحد فقال عبد الله: لكني أقوم الليل وأصوم النهار ولو وهبت لي شاة لفرحت بها ولو ذهبت لحزنت عليها والله لقد فضلك الله تعالى علينا فضلا بينا " هذا وذهب بعضهم إلى أن قوله تعالى: * (والذين تبوأوا) * الخ مبتدأ، وجملة * (يحبون) * الخ خبره، والكلام استئناف مسوق لمدح الأنصار، وجوز كون ذلك معطوفا على * (أولئك) * فيفيد شركة الأنصار للمهاجرين في الصدق، وجملة * (يحبون) * الخ إما استئناف مقرر لصدقهم أو حال من ضمير * (تبوأوا) * وإلى أن قوله تعالى: * (والذين جاءوا) * الخ مبتدأ؛ وجملة * (يقولون) * الخ خبره، والجملة معطوفة على الجملة السابقة مسوقة لمدح هؤلاء بمحبتهم من تقدمهم من المؤمنين ومراعاتهم لحقوق الأخوة في الدين والسبق بالإيمان كما أن ما عطفت عليه من الجملة السابقة لمدح الأنصار.
واستدل لعدم عطف * (الذين تبوأوا) * على * (المهاجرين) * بما روى أن النبي عليه الصلاة والسلام قسم أموال بني النضير على المهاجرين ولم يعط الأنصار إلا ثلاثة كما تقدم، وقال عليه الصلاة والسلام لهم: إن شئتم قسمتم للمهاجرين من أموالكم ودياركم وشاركتموهم من هذه الغنيمة وإن شئتم كانت لكم دياركم وأموالكم ولم يقسم لكم شيء من الغنيمة فقالوا: بل نقسم لهم - أي للمهاجرين - من أموالنا وديارنا ونؤثرهم بالغنيمة ولا نشاركهم فيها " فنزلت الآية * (والذين تبوأوا الدار والإيمان) * إلى آخره، وبعض القائلين بالعطف يقولون: إن قوله تعالى: * (والذين تبوأوا) * الخ بيان لحكم الأخماس الأربعة على معنى أن له عليه الصلاة والسلام أن يعم الناس بها حسن اختياره وأن الأنصار مصرف من المصارف، ولكن قد اختار صلى الله عليه وسلم أن يكون إعطاؤهم بالشرط الذي ذكره عليه الصلاة والسلام لهم، وهم اختاروا ما اختاروا إيثارا منهم، وذلك لا يخرجهم عن كونهم مصرفا بل في قوله تعالى: * (ويؤثرون على أنفسهم) * (الحشر: 9) رمز إليه على أن في الأخبار ما هو أصح وأصرح في الدلالة على عطفهم على ما تقدم، وأنهم يعطون من الفيء، وكذا عطف - الذين جاءوا من بعدهم - فقد أخرج البخاري. ومسلم. وأبو داود. والترمذي. والنسائي. وابن حبان. وغيرهم عن مالك بن أوس بن الحدثان في حديث طويل أن عمر رضي الله تعالى عنه قال - أي في قضاء بين علي كرم الله تعالى وجهه. وعمه العباس رضي الله تعالى عنه في فدك، وقد كان عمر دفعها إليهما وأخذ عليهما عهد الله تعالى على أن