تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٨ - الصفحة ٦٠
تبرأ منه وقال له ما قال، فذلك قوله تعالى: * (كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر) * (الحشر: 16) الآية، وهذا الرجل هو برصيصا الراهب، وقد رويت قصته على وجه أكثر تفصيلا مما ذكر وهي مشهورة في القصص، وفي " البحر " إن قول الشيطان: * (إني أخاف الله) * كان رياءا وهو لا يمنعه الخوف عن سوء يوقع فيه ابن آدم؛ وقرىء أنا برىء، وقرأ الحسن. وعمرو بن عبيد. وسليم بن أرقم - فكان عاقبتهما - بالرفع على أنه اسم كان، وأنهما الخ في تأويل مصدر خبرها على عكس قراءة الجمهور.
وقرأ عبد الله. وزيد بن علي. والأعمش. وابن أبي عبلة - خالدان - بالألف على أنه خبر إن، * (وفي النار) * متعلق به، وقدم للاختصاص، وفيها تأكيد له وإعادة بضميره، وجوز أن يكون - في النار - خبر إن، و - خالدان - خبر ثانيا وهو في قراءة الجمهور حال من الضمير في الجار والمجرور.
* (ياأيها الذين ءامنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون) *.
* (ي‍اأيها الذين ءامنوا اتقوا الله) * في كل ما تأتون وتذرون * (ولتنظر نفس ما قدمت لغد) * أي أي شيء قدمت من الأعمال ليوم القيامة عبر عنه بذلك لدنوه دنو الغد من أمسه، أو لأن الدنيا كيوم والآخرة غده يكون فيها أحوال غير الأحوال السابقة، وتنكيره لتفخيمه وتهويله كأنه قيل: * (لغد) * لا يعرف كنهه لغاية عظمه، وأما تنكير * (نفس) * فلاستقلال الأنفس النواظر كأنه قيل: ولتنظر نفس واحدة في ذلك، وفيه حث عظيم على النظر وتعيير بالترك وبأن الغفلة قد عمت الكل فلا أحد خلص منها، ومنه ظهر - كما في " الكشف " - أن جعله من قبيل قوله تعالى: * (علمت نفس ما أحضرت) * (التكوير: 14) غير مطابق للمقام أي فهو كما في الحديث " الناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة " لأن الأمر بالنظر وإن عم لكن المؤتمر الناظر أقل من القليل، والمقصود بالتقليل هو هذا لأن المأمور لا ينظر إليه ما لم يأتمر، وجوز ابن عطية أن يراد بغد يوم الموت، وليس بذاك، وقرأ أبو حيوة. ويحيى بن الحرث - ولتنظر - بكسر اللام، وروي ذلك عن حفص عن عاصم، وقرأ الحسن بكسرها وفتح الراء جعلها لام كي، وكان المعنى ولكي تنظر نفس ما قدمت لغد أمرنا بالتقوى * (واتقوا الله) * تكرير للتأكيد، أو الأول في أداء الواجبات كما يشعر به ما بعده من الأمر بالعمل وهذا في ترك المحارم كما يؤذن به الوعيد بقوله سبحانه: * (إن الله خبير بما تعملون) * أي من المعاصي، وهذا الوجه الثاني أرجح لفضل التأسيس على التأكيد، وفي ورود الأمرين مطلقين من الفخامة ما لا يخفى، وقيل: إن التقوى شاملة لترك ما يؤثم ولا وجه وجيه للتوزيع والمقام مقام الاهتمام بأمرها، فالتأكيد أولى وأقوى، وفيه منع ظاهر، وكيف لا والمتبادر مما قدمت أعمال الخير كذا قيل، ولعل من يقول بالتأكيد يقول: إن قوله سبحانه: * (إن الله خبير) * الخ يتضمن الوعد والوعيد ويعمم ما قدمت أيضا، ولعلك مع هذا تميل للتأسيس.
* (ولا تكونوا ك الذين نسوا الله فأنس‍اهم أنفسهم أول‍ائك هم الف‍اسقون) *.
* (ولا تكونوا كالذين نسوا الله) * أي نسوا حقوقه تعالى شأنه، وما قدروا الله حق قدره ولم يراعوا مواجب أمره سبحانه ونواهيه عز وجل حق رعايتها * (فأنس‍اهم) * الله تعالى بسبب ذلك * (أنفسهم) * أي جعلهم سبحانه ناسين لها حتى لم يسعوا بما ينفعها ولم يفعلوا ما يخلصها، أو أراهم جل جلاله يوم القيامة من الأهوال ما أنساهم أنفسهم أي أراهم أمرا هائلا وعذابا أليما، ونسيان النفس حقيقة قيل: مما لا يكون لأن العلم بها حضوري، وفيه نظر وإن نص عليه ابن سينا وأشياعه * (أول‍ائك هم الف‍اسقون) * الكاملون في الفسوق.
وقرأ أبو حيوة - ولا يكونوا - بياء الغيبة على سبيل الالتفات، وقال ابن عطية: كناية عن نفس المراد بها الجنس.
* (لا يستوىأصح‍ابالنار وأصح‍ابالجنة أصح‍ابالجنة هم الفآئزون) *.
(٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 ... » »»