تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٨ - الصفحة ٦٦
من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهلهم وأموالهم بمكة فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أصطنع إليهم يدا يحمون بها قرابتي وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا عن ديني فقال عمر رضي الله تعالى عنه: دعني يا رسول الله أضرب عنقه فقال عليه الصلاة والسلام: إنه شهيد بدرا وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم فنزلت * (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء) * " الخ.
وفي رواية ابن مردويه عن أنس أنه عليه الصلاة والسلام بعث عمر. وعليا رضي الله تعالى عنهما في أثر تلك المرأة فلحقاها في الطريق فلم يقدرا على شيء معها فأقبلا راجعين ثم قال أحدهما لصاحبه: والله ما كذبنا ولا كذبنا ارجع بنا إليها فرجعا فسلا سيفيهما وقالا: والله لنذيقنك الموت أو لتدفعن الكتاب فأنكرت ثم قالت: أدفعه إليكما على أن لا ترداني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبلا ذلك فأخرجته لهما من قرون رأسه، وفيه - على ما في " الدر المنثور " - أن المرأة تدعي أم سارة كانت مولاة لقريش، وفي " الكشاف " يقال لها: سارة مولاة لأبي عمرو بن صيفي بن هاشم، وفي صحة خبر أنس تردد، وما تضمنه من رجوع الإمامين رضي الله تعالى عنهما بعيد، وقيل: إن المبعوثين في أثرها عمر. وعلي. وطلحة. والزبير. وعمار. والمقداد. وأبو مرثد وكانوا فرسانا، والمعول عليه ما قدمنا، والذين كانوا له في مكة بنوه وإخوته على ما روى عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن حاطب المذكور، وفي رواية لأحمد عن جابر أن حاطبا قال: كانت والدتي معهم فيحتمل أنها مع بنيه وإخوته.
وصورة الكتاب - على ما في بعض الروايات - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توجه إليكم بجيش كالليل يسير كالسيل، وأقسم بالله لو سار إليكم وحده لنصره الله عليكم فإنه منجز له ما وعده، وفي الخبر السابق على ما قيل: دليل على جواز قتل الجاسوس لتعليله صلى الله عليه وسلم المنع عن قتله بشهوده بدرا - وفيه بحث - وفي التعبير عن المشركين بالعدو مع الإضافة إلى ضميره عز وجل تغليظ لأمر اتخاذهم أولياء وإشارة إلى حلول عقاب الله تعالى بهم، وفيه رمز إلى معنى قوله: إذا صافى صديقك من تعادى * فقد عاداك وانقطع الكلام والعدو فعول من عدا كعفو من عفا، ولكونه على زنة المصدر أوقع على الجمع إيقاعه على الواحد، ونصب * (أولياء) * على أنه مفعول ثان - لتتخذوا - وقوله تعالى: * (تلقون إليهم بالمودة) * تفسير للموالاة أو لاتخاذها أو استئناف فلا محل لها من الإعراب، والباء زائدة في المفعول كما في قوله تعالى: * (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) * وإلقاء المودة مجاز عن إظهارها، وتفسيره بالإيصال أي توصلون إليهم المودة لا يقطع التجوز.
وقيل: الباء للتعدية لكون المعنى تفضون إليهم بالمودة، وأفضى يتعدى بالباء كما في الأساس، وقيل: هي للسببية والإلقاء مجاز عن الإرسال أي ترسلون إليهم أخبار النبي صلى الله عليه وسلم بسبب المودة التي بينكم، وعن البصريين أن الجار متعلق بالمصدر الدال عليه الفعل، وفيه حذف المصدر مع بقاء معموله، وجوز كون الجملة حالا من فاعل * (لا تتخذوا) * أو صفة - لأولياء - ولم يقل - تلقون إليهم أنتم - بناءا على أنه لا يجب مثل هذا الضمير مع الصفة الجارية على غير من هي له. أو الحال. أو الخبر. أو الصلة سواء في ذلك الاسم والفعل كما في " شرح التسهيل " لابن مالك إذا لم يحصل إلباس نحو زيد هند ضاربها أو يضربها بخلاف زيد عمرو ضاربه أو يضربه فإنه يجب معه هو لمكان الإلباس.
(٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 ... » »»