تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٨ - الصفحة ٥٩
شبه وقوع المثل بوقوع المثل تعسف لا ينبغي أن يرتكب في الفصيح. وقيل: إن العامل فيه التشبيه أي يشبونهم في زمن قريب، وقيل: متعلق الكاف لأنه يدل على الوقوع، وكلا القولين كما ترى، ولا يبعد تعلقه بما تعلقت به الصلة أعني من قبلهم أي الذين كانوا من قبلهم في زمن قريب فيفيد أن قبليتهم قبلية قريبة، ويلزم من ذلك قرب ما فعل بهم وهو المثل، ويكون هذا مطمح النظر في الإفادة ويتضمن تعييرهم بأنهم كانت لهم في أهل بدر؛ أو بني قينقاع أسوة فبعد لم ينطمس آثار ما وقع بهم وهو كذلك على تقدير الوقوع ونحوه، وجملة * (ذاقوا) * مفسرة للمثل لا محل لها من الإعراب، ويتعين تعلق * (قريبا) * بما بعد على تقدير أن يراد بمن قبل منافقو الأمم الماضية فتدبر * (ولهم) * في الآخرة * (عذاب أليم) * لا يقادر قدره، والجملة قيل: عطف على الجملة السابقة وإن اختلفتا فعلية واسمية، وقيل: حال مقدرة من ضمير * (ذاقوا) * وأيا ما كان فهو داخل في حيز المثل، وقيل: عطف على جملة - مثلهم كمثل الذين من قبلهم - ولا يخفى بعده، وقوله تعالى:
* (كمثل الشيط‍ان إذ قال للإنس‍ان اكفر فلما كفر قال إنى برىء منك إنىأخاف الله رب الع‍المين) *.
* (كمثل الشيط‍ان) * جعله غير واحد خبر مبتدأ محذوف أيضا أي مثلهم كمثل الشيطان على أن ضمير - مثلهم - ههنا للمنافقين وفيما تقدم لبني النضير، وقال بعضهم: ضمير - مثلهم - المقدر في الموضعين للفريقين، وجعله بعض المحققين خبرا ثانيا للمبتدأ المحذوف في قوله تعالى: * (كمثل الذين) * على أن الضمير هناك للفريقين إلا أن المثل الأول: يخص بني النضير، والثاني: يخص المنافقين، وأسند كل من الخبرين إلى ذلك المقدر المضاف إلى ضميرهما من غير تعيين ما أسند إليه بخصوصه ثقة بأن السامع يرد كلا إلى ما يليق به ويماثله كأنه قيل: مثل أولئك الذين كفروا من أهل الكتاب في حلول العذاب بهم كمثل الذين من قبلهم ومثل المنافقين في إغرائهم إياهم على القتال حسبما نقل عنهم كمثل الشيطان * (إذ قال للإنس‍ان اكفر) * أي أغراه على الكفر إغراء الآمر للمأمور به فهو تمثيل واستعارة * (فلما كفر قال إني برىء منك إني أخاف الله رب الع‍المين) * تبرأ منه مخافة أن يشاركه في العذاب ولم ينفعه ذلك كما قال سبحانه:
* (فكان ع‍اقبتهمآ أنهما فى النار خ‍الدين فيها وذلك جزآء الظ‍المين) *.
* (فكان ع‍اقبتهما أنهما في النار خ‍الدين فيها) * أبد الآبدين * (وذلك) * أي الخلود في النار * (جزاؤا الظ‍المين) * على الإطلاق دون المذكورين خاصة، والجمهور على أن المراد بالشيطان والإنسان الجنس فيكون التبري يوم القيامة وهو الأوفق بظاهر قوله: * (إني أخاف) * الخ.
وذهب بعضهم إلى أن المراد بالشيطان إبليس، وبالإنسان أبو جهل عليهما اللعنة قال له يوم بدر: لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما وقعوا فيما وقعوا قال: إني برىء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله الآية، وفي الآية عليه مع ما تقدم عن مجاهد لطيفة؛ وذلك أنه لما شبه أولا حال إخوان المنافقين من أهل الكتاب بحال أهل بدر شبه هنا حال المنافقين بحال الشيطان في قصة أهل بدر، ومعنى * (اكفر) * على تخصيص الإنسان بأبي جهل دم على الكفر عند بعضد وقال الخفاجي: لا حاجة لتأويله بذلك لأنه تمثيل.
وأخرج أحمد في الزهد. والبخاري في تاريخه. والبيهقي في " الشعب ". والحاكم وصححه. وغيرهم عن علي كرم الله تعالى وجهه أن رجلا كان يتعبد في صومعته وأن امرأة كانت لها إخوة فعرض لها شيء فأتوه بها فزينت له نفسه فوقع عليها فحملت فجاءه الشيطان فقال: اقتلها فإنهم إن ظهروا عليك افتضحت فقتلها ودفنها فجاءوه فأخذوه فذهبوا به فبينما هم يمشون إذ جاءه الشيطان فقال: أنا الذي زينت لك فاسجد لي سجدة أنجيك فسجد له أي ثم
(٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 ... » »»