تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٨ - الصفحة ٥٠
شيء منه فقيرا * (وما ءاتاكم الرسول) * أي ما أعطاكم من الفيء * (فخذوه) * لأنه حقكم الذي أحله الله تعالى لكم * (وما نه‍اكم عنه) * أي عن أخذه منه * (فانتهوا) * عنه * (واتقوا الله) * في مخالفته عليه الصلاة والسلام * (إن الله شديد العقاب) * فيعاقب من يخالفه صلى الله عليه وسلم، وحمل الآية على خصوص الفيء مروي عن الحسن وكان لذلك لقرينة المقام، وفي " الكشاف " الأجود أن تكون عامة في كل ما أمر به صلى الله عليه وسلم ونهى عنه، وأمر الفيء داخل في العموم، وذلك لعموم لفظ * (ما) * على أن الواو لا تصح عاطفة فهي اعتراض على سبيل التذييل، ولذلك عقب بقوله تعالى: * (واتقوا الله) * تعميما فيتناول كل ما يجب أن يتقي؛ ويدخل ما سيق له الكلام دخولا أوليا كدخوله في العموم الأول، وروى ذلك عن ابن جريج.
وأخرج الشيخان. وأبو داود. والترمذي. وغيرهم عن ابن مسعود أنه قال: * (لعن الله تعالى الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات لخلق الله تعالى) * فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب وكانت تقرأ القرآن: فأتته فقالت: بلغني أنك لعنت كيت وكيت، فقال: ما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله عز وجل، فقالت: لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته، قال: إن كنت قرأتيه فقد وجدتيه، أما قرأت قوله تعالى: * (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) *؟ قالت: بلى، قال: فإنه صلى الله عليه وسلم قد نهى عنه، وعن الشافعي أنه قال: سلوني عما شئتم أخبركم به من كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال عبد الله بن محمد بن هرون: ما تقول في المحرم يقتل الزنبور؟ فقال: قال الله تعالى: * (وأما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) *.
وحدثنا سفيان بن عينة عن عبد الملك بن عمير عن ربعي بن خراش عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ".
وحدثنا سفيان بن عيينة عن مسعر بن كدام عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن عمر بن الخطاب أنه أمر بقتل الزنبور، وهذا من غريب الاستدلال، وفيه على علاته - ككلام ابن مسعود - حمل ما في الآية على العموم، وعن ابن عباس ما يدل على ذلك أيضا، قيل: والمعنى حينئذ ما آتاكم الرسول من الأمر فتمسكوا به وما نهاكم عن تعاطيه فانتهوا عنه، والأمر جوز أن يكون واحد الأمور وأن يكون واحد الأوامر لمقابلة نهاكم له، قيل: والأول أقرب لأنه لا يقال: أعطاه الأمر بمعنى أمره إلا بتكلف كما لا يخفى، واستنبط من الآية أن وجوب الترك يتوقف على تحقق النهي ولا يكفي فيه عدم الأمر فما لم يتعرض له أمرا ولا نهيا لا يجب تركه.
* (للفقرآء المه‍اجرين الذين أخرجوا من دي‍ارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أول‍ائك هم الص‍ادقون) *.
* (للفقراء المه‍اجرين) * قال الزمخشري: بدل من قوله تعالى: * (لذي القربى) * والمعطوف عليه، والذي منع الإبدال من * (لله وللرسول) * وما بعد وإن كان المعنى لرسول الله صلى الله عليه وسلم عز وجل أخرج رسوله عليه الصلاة والسلام من الفقراء في قوله سبحانه: * (وينصرون الله ورسوله) * وأنه يترفع برسول الله عليه الصلاة والسلام عن التسمية بالفقير، وأن الإبدال على ظاهر اللفظ من خلاف الواجب في تعظيم الله عز وجل، وهذا كما لا يجوز أن يوصف سبحانه بعلامة لأجل التأنيث لفظا لأن فيه سوء أدب انتهى.
وعنى أنه بدل كل من كل لاعتبار المبدل منه مجموع ما ذكر، قال الإمام: فكأنه قيل: أعني بأولئك الأربعة هؤلاء الفقراء والمهاجرين، وما ذكر من الإبدال من * (لذي القربى) * وما بعده مبني على قول الحنفية إنه لا يعطي الغني من ذوي القربى وإنما يعطي الفقير، ومن يرى كالشافعي أنه يعطي غنيهم كما يعطي فقيرهم خص
(٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 ... » »»