المشدد؛ وفي " البحر " أي كانت صادقة بما أخبرت به من أمر عيسى وما أظهره الله تعالى لها من الكرامات، وفيه قصور لا يخفى.
وقرأ الحسن. ومجاهد. والجحدري - بكلمة - على التوحيد فاحتمل أن يكون اسم جنس، وأن يكون عبارة عن كلمة التوحيد، وأن يكون عبارة عن عيسى عليه السلام فقد أطلق عليه عليه السلام أنه كلمة الله ألقاها إلى مريم، وقد مر شرح ذلك، وقرأ غير واحد من السبعة - وكتابه - على الافراد فاحتمل أن يراد به الجنس وأن يراد به الإنجيل لا سيما إن فسرت الكلمة بعيسى عليه السلام، وقرأ أبو رجاء * (وكتبه) * بسكون التاء على ما قال ابن عطية، وبه. وبفتح الكاف على أنه مصدر أقيم مقام الاسم على ما قال صاحب اللوامح.
* (وكانت من القانتين) * أي من عداد المواظبين على الطاعة - فمن - للتبعيض، والتذكير للتغليب، والإشعار بأن طاعتها لم تقصر عن طاعة الرجال حتى عدت من جملتهم فهو أبلغ من قولنا: وكانت من القانتات، أو قانتة، وقيل: * (من) * لابتداء الغاية، والمراد كانت من نسل القانتين لأنها من أعقاب هارون أخي موسى عليهما السلام، ومدحها بذلك لما أن الغالب أن الفرع تابع لأصله * (والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا) * (الأعراف: 58) وهي على ما في بعض الأخبار سيدة النساء ومن أكملهن، روى أحمد في مسنده: سيدة نساء أهل الجنة مريم. ثم فاطمة. ثم خديجة. ثم آسية. ثم عائشة، وفي " الصحيح " كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا أربع: آسية بنت مزاحم امرأة فرعون. ومريم ابنة عمران. وخديجة بنت خويلد. وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام وخص الثريد - وهو خبز يجعل في مرق وعليه لحم - كما قيل: إذا ما الخبز تأدمه بلحم * فذاك أمانة الله الثريد لا اللحم فقط كما قيل لأن العرب لا يؤثرون عليه شيئا حتى سموه بحبوحة الجنة، والسر فيه على ما قال الطيبي: إن الثريد مع اللحم جامع بين الغذاء واللذة والقوة وسهولة التناول وقلة المؤنة في المضغ وسرعة المرور في المرىء فضرب به مثلا ليؤذن بأنها رضي الله تعالى عنها أعطيت مع حسن الخلق حلاوة المنطق وفصاحة اللهجة وجودة القريحة ورزانة الرأي ورصانة العقل والتحبب للبعل فهي تصلح للبعل والتحدث والاستئناس بها والإصغاء إليها، وحسبك أنها عقلت من النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يعقل غيرها من النساء وروت ما لم يرو مثلها من الرجال، وعلى مزيد فضلها في هذه السورة الكريمة من عتابها وعتاب صاحبتها حفصة رضي الله تعالى عنهما ما لا يخفى، ثم لا يخفى أن فاطمة رضي الله تعالى عنها من حيث البضعية لا يعدلها في الفضل أحد، وتمام الكلام في ذلك في محله.
وجاء في بعض الآثار أن مريم. وآسية زوجا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة، أخرج الطبراني عن سعد بن جنادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله زوجني في الجنة مريم بنت عمران وامرأة فرعون وأخت موسى عليه السلام " وزعم نبوتها كزعم نبوة غيرهما من النساء كهاجر. وسارة غير صحيح لاشتراط الذكورة في النبوة على الصحيح خلافا للأشعري، وقد نبه على هذا الزعم العلامة ابن قاسم في الآيات البينات وهو غريب فليحفظ، والله تعالى أعلم.