تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٨ - الصفحة ٥١
الإبدال باليتامى وما بعده، وقيل: يجوز ذلك أيضا إلا أنه يقول بتخصيص اعتبار الفقير بفيء بني النضير فإنه عليه الصلاة والسلام لم يعط غنيا شيئا منه، والآية نازلة فيه وفيه تعسف ظاهر.
وفي " الكشف " أن * (للفقراء) * ليس للقيد بل بيانا للواقع من حال المهاجرين وإثباتا لمزيد اختصاصهم كأنه قيل: لله وللرسول وللمهاجرين، وقال ابن عطية: * (للفقراء) * الخ بيان لقوله تعالى: * (اليتامى والمساكين وابن السبيل) * وكررت لام الجر لما كان ما تقدم مجرورا بها لتبيين أن البدل هو منها، وقيل: اللام متعلقة بما دل عليه قوله تعالى: * (كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم) * كأنه قيل: ولكن يكون للفقراء المهاجرين.
وسيأتي إن شاء الله تعالى ما خطر لنا في ذلك من الاحتمال بناءا على ما يفهم من ظاهر كلام عمر بن الخطاب بمحضر جمع من الأصحاب * (الذين أخرجوا من دي‍ارهم وأموالهم) * حيث اضطرهم كفار مكة وأحوجوهم إلى الخروج فخرجوا منها، وهذا وصف باعتبار الغالب، وقيل: كان هؤلاء مائة رجل * (يبتغون فضلا من الله ورضوانا) * أي طالبين منه تعالى رزقا في الدنيا ومرضاة في الآخرة، وصفوا أولا بما يدل على استحقاقهم للفيء من الإخراج من الديار والأموال، وقيد ذلك ثانيا بما يوجب تفخيم شأنهم ويؤكده مما يدل على توكلهم التام ورضاهم بما قدره المليك العلام * (وينصرون الله ورسوله) * عطف على * (يبتغون) * فهي حال مقدرة أي ناوين لنصرة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم أو مقارنة فإن خروجهم من بين الكفار مراغمين لهم مهاجرين إلى المدينة نصرة وأي نصرة * (أول‍ائك) * الموصون بما ذكر من الصفات الجليلة * (هم الص‍ادقون) * أي الكاملون في الصدق في دعواهم الإيمان حيث فعلوا ما يدل أقوى دلالة عليه مع إخراجهم من أوطانهم وأموالهم لأجله لا غيرهم ممن آمن في مكة ولم يخرج من داره وماله، ولم يثبت منه نحو ما ثبت منهم لنحو لين منه مع المشركين فالحصر إضافي ووجه بغير ذلك، وحمل بعضهم الكلام على العموم لحذف متعلق الصدق وتمسك به لذلك فيه الاستدلال على صحة إمامة أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه لأن هؤلاء المهاجرين كانوا يدعونه بخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله تعالى قد شهد بصدقهم فلا بد أن تكون إمامته رضي الله تعالى عنه صحيحة ثابتة في نفس الأمر وهو تمسك ضعيف مستغنية عن مثله دعوى صحة خلافة الصديق رضي الله تعالى عنه بإجماع الصحابة، ومنهم علي كرم الله تعالى وجهه، ونسبة التقية إليه بالموافقة لا يوافق الشيعة عليها متق كدعوى الإكراه بل مستغنية بغير ذلك أيضا.
* (والذين تبوءوا الدار والإيم‍ان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون فى صدورهم حاجة ممآ أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأول‍ائك هم المفلحون) *.
* (والذين تبوءوا الدار والإيم‍ان) * الأكثرون على أنه معطوف على المهاجرين، والمراد بهم الأنصار؛ والتبوؤ النزول في المكان، ومنه المباءة للمنزل؛ ونسبته إلى الدار والمراد بها المدينة ظاهر، وأما نسبته إلى الايمان فباعتبار جعله مستقرا ومتوطنا على سبيل الاستعارة المكنية التخييلية، والتعريف في الدار للتنويه كأنها الدار التي تستحق أن تسمى دارا وهي التي أعدها الله تعالى لهم ليكون تبوؤهم إياها مدحا لهم.
وقال غير واحد: الكلام من باب. علفتها تبنا وماءا باردا أي تبوأوا الدار وأخلصوا الايمان، وقيل: التبوؤ مجاز مرسل عن اللزوم وهو لازم معناه فكأنه قيل: لزموا الدار والايمان، وقيل: في توجيه ذلك أن أل في الدار للعهد، والمراد دار الهجرة وهي تغني غناء الإضافة وفي * (والايمان) * حذف مضاف أي ودار الايمان
(٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 ... » »»