تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٨ - الصفحة ٥٨
أي اليهود والمنافقون، وقيل: اليهود يعني لا يقتدرون على قتالكم * (جميعا) * أي مجتمعين متفقين في موطن من المواطن * (إلا في قرى محصنة) * بالدروب والخنادق ونحوها * (أو من ورآء جدر) * يتسترون بها دون أن يصحروا لكم ويبارزوكم لقذف الله تعالى الرعب في قلوبهم ومزيد رهبتهم منكم.
وقرأ أبو رجاء. والحسن. وابن وثاب * (جدر) * بإسكان الدال تخفيفا، ورويت عن ابن كثير. وعاصم. والأعمش، وقرأ أبو عمرو. وابن كثير في الرواية المشهورة. وكثير من المكيين جدار بكسر الجيم وألف بعد الدال وهي مفرد الجدر، والقصد فيه إلى الجنس، أو المراد به السور الجامع للجدر والحيطان.
وقرأ جمع من المكيين. وهارون عن ابن كثير * (جدر) * بفتح الجيم وسكون الدال، قال صاحب اللوامح: وهو الجدار بلغة اليمن، وقال ابن عطية: معناه أصل بنيان كسور وغيره، ثم قال: ويحتمل أن يكون من جدر النخل أي من وراء نخلهم إذ هي مما يتقى به عند المصافة * (بأسهم بينهم شديد) * استئناف سيق لبيان أن ما ذكر من رهبتهم ليس لضعفهم وجبنهم في أنفسهم فإن بأسهم إذا اقتتلوا شديد وإنما ضعفهم وجبنهم بالنسبة إليكم بما قذف الله تعالى في قلوبهم من الرعب * (تحسبهم جميعا) * أي مجتمعين ذوي ألفة واتحاد * (وقلوبهم شتى) * جمع شتيت أي متفرقة لا ألفة بينها يعني أن بينهم إحنا وعدوات فلا يتعاضدون حق التعاضد ولا يرمون عن قوس واحدة، وهذا تجسير للمؤمنين وتشجيع لقلوبهم على قتالهم.
وقرأ مبشر بن عبيد * (شتى) * بالتنوين جعل الألف ألف الإلحاق، وعبد الله - وقلوبهم أشت - أي أكثر أو أشد تفرقا * (ذلك بأنهم) * أي ما ذكر من تشتت قلوبهم بسبب أنهم * (قوم لا يعقلون) * شيئا حتى يعلموا طرق الألفة وأسباب الاتفاق، وقيل: * (لا يعقلون) * أن تشتت القلوب مما يوهن قواهم المركوزة فيهم بحسب الخلقة ويعين على تدميرهم واضمحلالهم وليس بذاك، وقوله تعالى:
* (كمثل الذين من قبلهم قريبا ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم) *.
* (كمثل الذين من قبلهم) * خبر مبتدأ محذوف تقديره مثلهم أي مثل المذكورين من اليهود بني النضير، أو منهم ومن المنافقين كمثل أهل بدر - كما قال مجاهد - أو كبني قنيقاع - كما قال ابن عباس - وهم شعب من اليهود الذين كانوا حوالي المدينة غزاهم النبي صلى الله عليه وسلم يوم السبت على رأس عشرين شهرا من الهجرة في شوال قبل غزوة بني النضير حيث كانت في ربيع سنة أربع وأجلاهم عليه الصلاة والسلام إلى أذرعات على ما فصل في كتب السير.
وقيل: أي مثل هؤلاء المنافقين كمثل منافقي الأمم الماضية * (قريبا) * ظرف لقوله تعالى: * (ذاقوا وبال أمرهم) * أي ذاقوا سوء عاقبة كفرهم في زمن قريب من عصيانهم أي لم تتأخر عقوبتهم وعوقبوا في الدنيا إثر عصيانهم.
وقيل: انتصاب * (قريبا) * - بمثل - إذ التقدير كوقوع مثل الذين، وتعقب بأن الظاهر أنه أريد أن في الكلام مضافا هو العامل حقيقة في الظرف إلا أنه لما حذف عمل المضاف إليه فيه لقيامه مقامه، ولا يخفى أن المعنى ليس عليه لأن المراد تشبيه المثل بالمثل أي الصفة الغريبة لهؤلاء بالصفة الغريبة للذين من قبلهم دون تشبيه المثل بوقوع المثل، وأجيب بأن الإضافة من إضافة الصفة إلى موصوفها فيرجع التشبيه إلى تشبيه المثل بالمثل فكأنه قيل: مثلهم كمثل الذين من قبلهم الواقع قريبا، وفيه أن ذلك التقدير ركيك وما ذكر لا يدفع الركاكة، والقول بتقدير مضاف في جانب المبتدأ أيضا أي وقوع مثلهم كوقوع مثل الذين من قبلهم قريبا فيكون قد
(٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 ... » »»