تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٨ - الصفحة ٤٦
الفيء لا الغنيمة ولا الأعم، وفرقوا بينهما قالوا: الفيء ما حصل من الكفار بلا قتال وإيجاف خيل وركاب كجزية وعشر تجارة، وما صولحوا عليه من غير نحو قتال وما جلوا عنه خوفا قبل تقابل الجيشين أما بعد فغنيمة، وما لمرتد قتل أو مات على ردته، وذمي. أو معاهد. أو مستأمن مات بلا وارث مستغرق، والغنيمة ما حصل من كفار أصليين حربيين بقتال، وفي حكمه تقابل الجيشين أو إيجاف منا لا من ذميين فإنه لهم ولا يخمس وحكمها مشهور.
وصرح غير واحد من أصحابنا بالفرق أيضا نقلا عن المغرب وغيره فقالوا: الغنيمة ما نيل من الكفار عنوة والحرب قائمة وحكمها أن تخمس، وباقيها للغانمين خاصة، والفيء ما نيل منهم بعد وضع الحرب أوزارها وصيرورة الدار دار إسلام، وحكمه أن يكون لكافة المسلمين ولا يخمس أي يصرف جميعه لمصالهم؛ ونقل هذا الحكم ابن حجر عمن عدا الشافعي رضي الله تعالى عنه من الأئمة الثلاثة، والتخميس عنه استدلالا بالقياس على الغنيمة المخمسة بالنص بجامع أن كلا راجع إلينا من الكفار، واختلاف السبب بالقتال وعدمه لا يؤثر، والذي نطقت به الأخبار الصحيحة أن عمر رضي الله تعالى عنه صنع في سواد العراق ما تضمنته الآية، واعتبرها عامة للمسلمين محتجا بها على الزبير. وبلال. وسلمان الفارسي. وغيرهم حيث طلبوا منه قسمته على الغانمين بعقاره وعلوجه، ووافقه على ما أراد على. وعثمان. وطلحة. والأكثرون بل المخالفون أيضا بعد أن قال خاطبا: اللهم اكفنى بلالا وأصحابه مع أن المشهور في كتب المغازي أن السواد فتح عنوة، وهو يقتضي كونه غنيمة فيقسم بين الغانمين، ولذا قال بعض الشافعية: إن عمر رضي الله تعالى عنه استطاب قلوب الغانمين حتى تركوا حقهم فاسترد السواد على أهله بخراج يؤدونه في كل سنة فليراجع وليحقق، وما جعله الله تعالى من ذلك لمن تضمنه قوله تعالى: * (فلله وللرسول) * إلى * (ابن السبيل) * هو خمس الفيء على ما نص عليه بعض الشافعية، ويقسم هذا الخمس خمسة أسهم: لمن ذكر الله عز وجل وسهمه سبحانه وسهم رسوله واحد، وذكره تعالى - كما روي عن ابن عباس. والحسن بن محمد بن الحنفية - افتتاح كلام للتيمن والتبرك فإن لله ما في الساموات وما في الأرض، وفيه تعظيم لشأن الرسول عليه الصلاة والسلام.
وقال أبو العالية: سهم الله تعالى ثابت يصرف إلى بناء بيته - وهو الكعبة المشرفة - إن كانت قريبة وإلا فإلى مسجد كل بلدة ثبت فيها الخمس، ويلزمه أن السهام كانت ستة وهو خلاف المعروف عن السلف في تفسير ذلك؛ وسهم الرسول صلى الله عليه وسلم قد كان له في حياته بالإجماع - وهو خمس الخمس - وكان ينفق منه على نفسه وعياله ويدخر منه مؤونة سنة أي لبعض زوجات ويصرف الباقي في مصالح المسلمين، وسقط عندنا بعد وفاته عليه الصلاة والسلام قالوا: لأن عمل الخلفاء الراشدين على ذلك - وهم أمناء الله تعالى على دينه - ولأن الحكم معلق بوصف مشتق - وهو الرسول - فيكون مبدأ الاشتقاق - وهو الرسالة - علة ولم توجد في أحد بعده، وهذا كما سقط الصفى.
ونقل عن الشافعي أنه يصرف للخليفة بعده لأنه عليه الصلاة والسلام كان يستحقه لإمامته دون رسالته ليكون ذلك أبعد عن توهم الأجر على الإبلاغ، والأكثرون من الشافعية أن ما كان له صلى الله عليه وسلم من خمس الخمس يصرف لمصالح المسلمين كالثغور، وقضاة البلاد والعلماء المشتغلين بعلوم الشرع وآلاتها ولو مبتدئين، والأئمة والمؤذنين ولو أغنياء، وسائر من يشتغل عن نحو كسبه بمصالح المسلمين لعموم نفعهم، وألحق بهم العاجزون عن الكسب والعطاء إلى رأي الإمام معتبرا سعة المال وضيقه، ويقدم الأهم فالأهم وجوبا،
(٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 ... » »»