تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٨ - الصفحة ٤٠
إلى الشام فيكون لهم آخر حشر إليه أيضا ليتم التقابل، وهو يوم القيامة من القبور، ولا يخفى أنه ضعيف الدلالة؛ وفي " البحر " عن عكرمة. والزهري أنهما قالا: المعنى الأول موضع الحشر وهو الشام، وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال لهم: " اخرجوا قالوا: إلى أين؟ قال: إلى أرض المحشر " ولا يخفى ضعف هذا المعنى أيضا، وقيل: آخر حشرهم أن نارا تخرج قبل الساعة فتحشرهم كسائر الناس من المشرق إلى المغرب، وعن الحسن أنه أريد حشر القيامة أي هذا أوله والقيام من القبور آخره، وهو كما ترى، وقيل: المعنى أخرجهم من ديارهم لأول جمع حشره النبي صلى الله عليه وسلم أو حشره الله عز وجل لقتالهم لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن قبل قصد قتالهم، وفيه من المناسبة لوصف العزة ما لا يخفى، ولذا قيل: إنه الظاهر؛ وتعقب بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن جمع المسلمين لقتالهم في هذه المرة أيضا ولذا ركب عليه الصلاة والسلام حمارا مخطوما بليف لعدم المبالاة بهم وفيه نظر، وقيل: لأول جمعهم للمقاتلة مع المسلمين لأنهم لم يجتمعوا لها قبل، والحشر إخراج جمع سواء كان من الناس لحرب أو لا، نعم يشترط فيه كون المحشور جمعا من ذوي الأرواح لا غير، ومشروعية الإجلاء كانت في ابتداء الإسلام، وأما الآن فقد نسخت، ولا يجوز إلا القتل. أو السبي. أو ضرب الجزية * (ما ظننتم) * أيها المسلمو * (أن يخرجوا) * لشدة بأسهم ومنعتهم ووثاقة حصونهم وكثرة عددهم وعدتهم.
* (وظنوا أنهم ما نعتهم حصونهم من الله) * أي ظنوا أن حصونهم مانعتهم أو تمنعهم من بأس الله تعالى - فحصونهم - مبتدأ، * (ومانعتهم) * خبر مقدم، والجملة خبر * (أن) * وكان الظاهر لمقابلة * (ما ظننتم أن يخرجوا) * وظنوا أن لا يخرجوا والعدول إلى ما في " النظم الجليل " للإشعار بتفاوت الظنين، وأن ظنهم قارب اليقين فناسب أن يؤتى بما يدل على فرط وثوقهم بما هم فيه فجىء - بمانعتهم. وحصونهم - مقدما فيه الخبر على المبتدأ؛ ومدار الدلالة التقديم لما فيه من الاختصاص فكأنه لا حصن أمنع من حصونهم، وبما يدل على اعتقادهم في أنفسهم أنهم في عزة ومنعة لا يبالي معهما بأحد يتعرض لهم أو يطمع في معازتهم، فجىء بضمير - هم - وصير اسما - لأن - وأخبر عنه بالجملة لما في ذلك من التقوى على ما في " الكشف ". وشرح الطيبي، وفي كون ذلك من باب التقوى بحث، ومنع بعضهم جواز الإعراب السابق بناءا على أن تقديم الخبر المشتق على المبتدأ المحتمل للفاعلية لا يجوز كتقديم الخبر إذا كان فعلا، وصحح الجواز في المشتق دون الفعل، نعم اختار صاحب الفرائد أن يكون * (حصونهم) * فاعلا - لمانعتهم - لاعتماده على المبتدأ.
وجوز كون * (مانعتهم) * مبتدأ خبره * (حصونهم) *، وتعقب بأن فيه الإخبار عن النكرة بالمعرفة إن كانت إضافة مانعة لفظية، وعدم كون المعنى على ذلك إن كانت معنوية بأن قصد استمرار المنع فتأمل، وكانت * (حصونهم) * على ما قيل: أربعة الكتيبة. والوطيح. والسلالم. والنطاة، وزاد بعضهم الوخدة وبعضهم شقا، والذي في " القاموس " أنه موضع بخيبر أو واد به * (فأت‍اهم الله) * أي أمره سبحانه، وقدره عز وجل المتاح لهم * (من حيث لم يحتسبوا) * ولم يخطر ببالهم؛ وهو على ما روي عن السدي. وأبي صالح. وابن جريج
(٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 ... » »»