يخفض نفسه عما يتنافس فيه من الرفعة امتثالا وتواضعا جوزي على تواضعه برفع الدرجات كقوله: من تواضع لله تعالى رفعه الله تعالى، ثم لما علم سبحانه أن أهل العلم بحيث يستوجبون عند أنفسهم وعند الناس ارتفاع مجالسهم خصهم بالذكر عند الجزاء ليسهل عليهم ترك ما لهم من الرفعة في المجلس تواضعا لله عز وجل.
وقيل: إنه تعالى خص أهل العلم ليسهل عليهم ترك ما عرفوا بالحرص عليه من رفعة المجالس وحبهم للتصدير، وهذا من مغيبات القرآن لما ظهر من هؤلاء في سائر الاعصار من التنافس في ذلك.
والخفاجي أدرج هذا في نقل كلام صاحب الانتصاف وكلامه على ما سمعته أوفق بالأدب مع أهل العلم، ولا أظن - بالذين أوتوا العلم - المذكورين في الآية أنهم كالعلماء الذين عرض بهم الخفاجي، نعم إنه عليه الرحمة صادق فيما قال بالنسبة إلى كثير من علماء رخر الزمان كعلماء " زمانه وكعلماء زماننا - لكن كثير من هؤلاء - إطلاق اسم العالم على أحدهم مجاز لا تعرف علاقته، ومع ذلك قد امتلأ قلبه من حب الصدر وجعل يزاحم العلماء حقيقة عليه ولم يدر أن محله لو أنصف العجز، هذا واستدل غير واحد بالآية على تقديم العالم ولو بأهليا على الجاهل ولو هاشميا شيخا، وهو بناء على ما تقدم من معناها لدلالتها على فضل العالم على غيره من المؤمنين وأن الله تعالى يرفعه يوم القيامة عليه، ويجعل منزلته فوق منزلته فينبغي أن يكون محله في مجالس الدنيا فوق محل الجاهل.
وقال الجلال السيوطي في كتاب الأحكام قال قوم: معنى الآية يرفع الله تعالى المؤمنين العلماء منكم درجات على غيرهم فلذلك أمر بالتفسح من أجلهم، ففيه دليل على رفع العلماء في المجالس والتفسح لهم عن المجالس الرفيعة انتهى.
وهذا المعنى الذي نقله ظاهر في أن المعاطفين متحدان بالذات والعطف لجعل تغاير الصفات بمنزلة تغاير الذات وهو احتمال بعيد، ويظهر منه يضا أنه ظن رفع يرفع على أن الجملة استئناف وقع جوابا عن السؤال عن علة الأمر السابق مع أن الأمر ليس كذلك، ويحتمل أنه علم مجزوم في جواب الأمر لكن لم يعتبر كون الرفع درجات جزاءه الامتثال على نحو كون الفسح قبله جزاءه فتأمله * (والله بما تعملون خبير) * تهديد لمن لم يمتثل بالأمر واستكره، وقرىء بما - يعملون - بالياء التحتانية.
* (ياأيها الذين ءامنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدى نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم) *.
* (يا أيها الذين ءامنوا إذا ناجيتم الرسول) * أي إذا أردتم المناجاة معه عليه الصلاة والسلام لأمر ما من الأمور * (فقدموا بين يدي نجوايكم صدقة) * أي فتصدقوا قبلها، وفي الكلام استعارة تمثيلية، وأصل التركيب يستعمل فيمن له يدان أو مكنية بتشبية النجوى بالإنسان، وإثبات اليدين تخييل، وفي * (بين) * ترشيح على ما قيل ، ومعناه قبل؛ وفي هذا الأمر تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم ونفع للفقراء وتمييز بين الخلص والمنافق ومحب الآخرة ومحب الدنيا ودفع للتكاثر عليه صلى الله عليه وسلم من غير حاجة مهمة، فقد روى عن ابن عباس. وقتادة أن قوما من المسلمين كثرت مناجاتهم للرسول عليه الصلاة والسلام طول جلوسهم ومناجاتهم فنزلت، واختلف في أن الأمر للندب أو للوجوب لكنه نسخ بقوله تعالى: * (أأشفقتم) * الخ، وهو وإن كان متصلا به تلاوة لكنه غير متصل به نزولا، وقيل: نسخ بآية