تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٨ - الصفحة ٢٨
مجلسه صلى الله عليه وسلم، والجمع لتعدده باعتبار من يجلس معه عليه الصلاة والسلام فإن لكل أحد منهم مجلسا، وفي أخبار سبب النزول ما يؤيد كلا، أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان " كان صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة في الصفة وفي المكان ضيق وكان عليه الصلاة والسلام يكرم أهل بدر من المهاجرين والأنصار فجاء ناس من أهل بدر منهم ثابت بن قيس بن شماس وقد سبقوا إلى المجالس فقاموا حيال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته فرد النبي صلى الله عليه وسلم ثم سلم على القوم فردوا عليهم فقاموا على أرجلهم ينتظرون أن يوسع لهم فلم يفسحوا لهم فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لبعض من حوله: قم يا فلان ويا فلان فأقام نفرا مقدار من قدم فشق ذلك عليهم وعرفت كراهيته وفي جوههم، وقال المنافقون: ما عدل بإقامة من أخد مجلسه وأحب قربه لمن تأخر عن الحضور فأنزل الله تعالى هذه الآية * (يا أيها الذين آمنوا) * " الخ، وكان ذلك ممن لم يفسح تنافسا في القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم ورغبة فيه ولا تكاد نفس تؤثر غيرها بذلك.
وقال الحسن. ويزيد بن أبي حبيب: كان الصحابة يتشاحون في مجالس القتال إذا اصطفوا للحرب فلا يوسع بعضهم لبعض رغبة في الشهادة فنزلت * (يا أيها الذين آمنوا) * الخ، والأكثرون على أنها نزلت لما كان عليه المؤمنون من التضام في مجلسه صلى الله عليه وسلم والضنة بالقرب منه وترك التفسح لمقبل؛ وأيا ما كان فالحكم مطرد في مجلسه عليه الصلاة والسلام ومصاف القتال وغير ذلك، وقرىء في - المجلس - بفتح اللام، فإما أن يراد به ما أريد بالمكسور والفتح شاذ في الاستعمال، وإما أن يراد به المصدر، والجار متعلق - بتفسحوا - أي إذا قيل لكم توسعوا في جلوسكم ولا تضايقوا فيه * (فافسحوا يفسح الله لكم) * أي في رحمته. أو في منازلكم في الجنة. أو في قبوركم. أو في صدوركم. أو في رزقكم أقوال.
وقال بعضهم: المراد يفسح سبحانه لكم في كل ما تريدون الفسح فيه أي مما ذكر وغيره، وأنت تعلم أن الفسح يختلف المراد منه باختلاف متعلقاته كالمنازل والرزق والصدر فلا تغفل * (وإذا قيل انشزوا) * أي انهضوا للتوسعة على المقبلين * (فانشزوا) * فانهضوا ولا تتثبطوا، وأصله من النشز وهو المرتفع من الأرض فإن مريد التوسعة على المقبل يرتفع إلى فوق فيتسع الموضع، أو لأن النهوض نفسه ارتفاع قال الحسن. وقتادة. والضحاك: المعنى إذا دعيتم إلى قتال أو صلاة أو طاعة فأجيبوا، وقيل: إذا دعيتم إلى القيام عن مجلس النبي صلى الله عليه وسلم فقوموا، وهذا لأنه عليه الصلاة والسلام كان يؤثر أحيانا الانفراد في أمر الإسلام أو لأداء وظائف تخصه صلى الله عليه وسلم لا تتأتى أو لا تكمل بدون الانفراد، وعمم الحكم فقيل: إذا قال صاحب مجلس لمن في مجلسه: قوموا ينبغي أن يجاب، وفعل ذلك لحاجة إذا لم يترتب عليه مفسدة أعظم منها مما لا نزاع في جوازه، نعم لا ينبغي لقادم أن يقيم أحدا ليجلس في مجلسه، فقد أخرج مالك. والبخاري. ومسلم. والترمذي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه ولكن تفسحوا وتوسعوا ".
وقرأ الحسن. والأعمش. وطلحة. وجمع من السبعة - انشزوا فانشزوا - بكسر الشين منهما.
* (يرفع الله الذين ءامنوا منكم) * جواب الأمر كأنه قيل: إن تنشزوا يرفع عز وجل المؤمنين منكم في الآخرة
(٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 ... » »»