تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٨ - الصفحة ١٩
في بعضها وإسقاطه من بعضها الفرق بين أنواعها فلم جعلته مؤثرا في أحد الحكمين دون الآخر؟ وهل التخصيص إلا نوع من التحكم؟ ثم قال: وله أن يقول: اتفقنا على التسوية بين الثلاث في هذا الحكم أعني حرمة المساس قبل التكفير، وقد نطقت الآية بالتفرقة فلم يمكن صرفها إلى ما وقع الاتفاق على التسوية فيه فتعين صرفه إلى الآخر، هذا منتهى النظر مع أبي حنيفة؛ وأطال الكلام في هذا المقام بما لا يخلو عن بحث على أصول الإمام.
وإذا عجز المظاهر عن الجميع قال الشافعية: استقرت في ذمته فإذا قدر على خصلة فعلها ولا أثر لقدرته على بعض عتق أو صوم بخلاف بعض الطعام ولو بعض ما يجب لواحد من المساكين فيخرجه، ثم الباقي إذا أيسر، والظاهر بقاء حرمة المسيس إلى أن يؤدي الكفارة تماما ولم يبال باضرار المرأة بذلك لأن الأيسار مترقب كزوال المرض المانع من الجماع، ولم أراجع حكم المسألة في الظاهر عند الحنفية، وأما في الجماع في نهار رمضان الموجب للكفارة فقد قال ابن الهمام بعد نقل حديث الأعرابي الواقع على امرأته فيه العاجر عن الخصال الثلاثة، وفيه: " فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر فقال: تصدق به، فقال: أعلى أفقر مني يا رسول الله؟ فوالله ما بين لابتيها أفقر مني ولا أهل بيت أفقر من أهل بيتي، فضحك صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ثم قال: خذه فأطعمه أهلك " في لفظ لأبي داود - زاد الزهري - وإنما كان هذا رخصة له خاصة، ولو أن رجلا فعل ذلك اليوم لم يكن له بد من التكفير، وجمهور العلماء على قوله، وذكر النووي في " شرح صحيح مسلم " أن للشافعي في هذا العاجز قولين: أحدهما لا شيء عليه - واحتج له بحديث الأعرابي المذكور عليه الصلاة والسلام لم يقل له: إن الكفارة ثابتة في ذمته بل أذن له في إطعام عياله - والثاني - وهو الصحيح عند أصحابنا وهو المختار - أن الكفارة لا تسقط بل تستقر في ذمته حتى يتمكن قياسا على سائر الديون والحقوق والمؤاخذات كجزاء الصيد وغيره، وأما الحديث فليس فيه نفي استقرار الكفارة بل فيه دليل لاستقرارها لأنه أخبر النبي: صلى الله عليه وسلم بالعجز عن الخصال ثم أتى عليه الصلاة والسلام بعرق التمر فأمره بإخراجه في الكفارة فلو كانت تسقط بالعجز لم يكن عليه شيء فلم يأمره بالإخراج فدل على ثبوتها في ذمته، وإنما أذن له في إطعام عياله لأنه محتاج إلى الإنفاق عليهم في الحال والكفارة واجبة على التراخي، وإنما لم يبين عليه الصلاة والسلام بقاءها في ذمته لأن تأخير البيان إلى وقت الحاجة جائز عند جماهير الأصوليين فهذا هو الصواب في معنى الحديث، وحكم المسألة وفيها أقوال وتأويلاتأخر ضعيفة انتهى.
ومن الناس من قال: لم يكن هناك تأخير بيان وإنما اكتفى صلى الله عليه وسلم بفهم الأعرابي عن التصريح له بالاستقرار، والاخبار في وقوع مثل ذلك للمظاهر مضطربة كما لا يخفى على من راجع الدر المنثور للسيوطي.
ومسائل الظاهر كثيرة والمذاهب في ذلك مختلفة، ومن أراد كمال الاطلاع فليرجع إلى كتب الفروع، ولولا التأسي ببعض الأجلة لما ذكرنا شيئا منها، ومع هذا لا يخلو أكثره عن تعلق بتفسير الآية والله تعالى أعلم.
* (ذالك) * إشارة إلى ما مر من البيان والتعليم، ومحله إما الرفع على الابتداء أو النصب بمضمر معلل بما بعده أي ذلك واقع أو فعلنا ذلك * (لتؤمنوا بالله ورسوله) * وتعملوا بشرائعه التي شرعها لكم وترفضوا ما كنتم
(١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 ... » »»