تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٨ - الصفحة ٢٥
أن المطالب الفكرية للمتناجين مثلا لا تتم بدون ثلاثة أشياء: الموضوع. والمحمول. والحد الأوسط بل القضية التي تناجى لها لا بد فيها من ثلاثة أجزاء، والخمسة لأنها عدد دائر لا تنعدم بالضرب في نفسها، وكذا بضرب الحاصل في نفسه إلى ما لا يتناهى فلها شبه بالثلاثة من حيث أنها دائرة مع مراتب الضرب لا تنعدم أصلا كما أن الثلاثة دائرة مع اعتبارات الممكن لا تنعدم أصلا، ومع ذلك هي عدد المشاعر التي يحتاج إليها في التناجي، وكذا عدد الحواس الظاهرة، ويدخل ما عداهما في عموم قوله تعالى: * (ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم) * ولا يدخل في العموم الواحد لأن التناجي للمشاورة لا بد فيه من اثنين فأكثر، ومن أدخله لم يعتبر التناجي لها ولا يضر دخول الأشفاع فيه لأن أليقية كون المتناجين وترا إنما كانت نكتة للتصريح بالعددين السابقين ولا تأبى تحقق النجوى في الأشفاع كما لا يخفى. / جسم] وادعى ابن سراقة أن النجوى مختصة بما كان بين أكثر من اثنين وأن ما يكون بين اثنين يسمى سرارا، وقال ابن عيسى: كل سرار نجوى، وفي الآية لطائف وأسرار لا يعقلها إلا العالمون فليتأمل.
وقرأ ابن أبي عبلة * (ثلاثة) * و * (خمسة) * بالنصب على الحال بإضمار يتناجون يدل عليه نجوى، أو على تأويل نجوى بمتناجين ونصبهما من المستكن فيه، وفي مصحف عبد الله - إلا الله رابعهم ولا أربعة إلا الله خامسهم ولا خمسة إلا الله سادسهم ولا أقل من ذلك ولا أكثر إلا الله معهم إذا انتجوا - وقرأ الحسن. وابن أبي إسحق. والأعمش. وأبو حيوة. وسلام. ويعقوب * (ولا أكثر) * بالرفع قال الزمخشري: على أنه معطوف على محل - لا أدنى - كقولك: لا حول ولا قوة إلا بالله بفتح الحول ورفع القوة، ويجوز أن يعتبر * (أدنى) * مرفوعا على هذه القراءة ورفعهما على الابتداء، والجملة التي بعد * (إلا) * هي الخبر، أو على العطف على محل * (من نجوى) * أنه قيل: ما يكون أدنى ولا أكثر إلا هو معهم، و * (أكثر) * على قراءة الجمهور يحتمل أن يكون مجرورا بالفتح معطوفا على لفظ * (نجوى) * كأنه قيل: ما يكون من أدنى ولا أكثر إلا هو معهم، وأن يكون مفتوحا لأن * (لا) * لنفي الجنس، وقرأ كل من الحسن. ويعقوب أيضا. ومجاهد. والخليل بن أحمد - ولا أكبر - بالباء الموحدة والرفع وهو على ما سمعت * (ثم ينبئهم بما عملوا يوم القي‍امة) * تفضيحا لهم وإظهارا لما يوجب عذابهم.
وقرىء * (ينبئهم) * بالتخفيف والهمز، وقرأ زيد بن علي بالتخفيف وترك الهمز وكسر الهاء.
* (إن الله بكل شيء عليم) * لأن نسبة ذاته المقتضى للعلم إلى الكل على السواء، وقد بدأ الله تعالى في هذه الآيات بالعلم حيث قال سبحانه: * (ألم تر أن الله يعلم) * الخ، وختم جل وعلا بالعلم أيضا حيث قال الله تعالى: * (إن الله) * الخ، ومن هنا قال معظم السلف فيما ذكر في البين من قوله عز وجل: * (رابعهم) * و * ( سادسهم) * و * (معهم) * أن المراد به كونه تعالى كذلك بحسب العلم مع أنهم الذين لا يؤولون، وكأنهم لم يعدوا ذلك تأويلا لغاية ظهوره واحتفافه بما يدل عليه دلالة لا خفاء فيها، ويعلم من هذا أن ما شاع من أن السلف لا يؤولون ليس على إطلاقه.
* (ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه ويتن‍اجون بالإثم والعدوان ومعصيت الرسول وإذا جآءوك حيوك بما لم يحيك به الله ويقولون فىأنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير) *.
* (ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه) * قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: نزلت في اليهود والمنافقين كانوا يتناجون دون المؤمنين وينظرون إليهم ويتغامزون بأعينهم يوهمونهم عن أقاربهم أنهم أصابهم شر فلا يزالون كذلك حتى تقدم أقاربهم فلما كثر ذلك منهم شكا المؤمنون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فنهاهم أن يتناجوا دون المؤمنين فعادوا لمثل فعلهم، وقال مجاهد نزلت في اليهود.
(٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 ... » »»