تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٨ - الصفحة ٢٩
جزاءا للامتثال * (والذين أوتوا العلم) * الشرعي * (درجات) * أي كثيرة جليلة كما يشعر به المقام، وعطف - الذين أوتوا العلم - على * (الذين آمنوا) * من عطف الخاص على العام تعظيما لهم بعدهم كأنهم جنس آخر، ولذا أعيد الموصول في النظم الكريم، وقد أخرج الترمذي. وأبو داود. والدارمي عن أبي الدرداء مرفوعا " فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب.
وأخرج الدارمي عن عمر بن كير عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من جاءه الموت وهو يطلب العلم ليحيي به الإسلام فبينه وبين النبيين درجة " وعنه صلى الله عليه وسلم: " بين العالم والعابد مائة درجة بين كل درجتين حضر الجواد المضمر سبعين سنة " وعنه عليه الصلاة والسلام " يشفع يوم القيامة ثلاثة: الأنبياء. ثم العلماء. ثم الشهداء " فأعظم بمرتبة بين النبوة والشهادة بشهادة الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، وعن ابن عباس " خير سليمان عليه السلام بين العلم والملك والمال فاختار العلم فأعطاه الله تعالى الملك والمال تبعا له ".
وعن الأحنف " كاد العلماء يكونوا أربابا " وكل عز لم يوطد بعلم فإلى ذل ما يصير، وعن بعض الحكماء: ليت شعري أي شيء أدرك من فاته العلم؟ وأي شيء فاته من أدرك العلم؟ والدال على فضل العلم والعلماء أكثر من أن يحصى، وأرجى حديث عندي في فضلهم ما رواه الإمام أبو حنيفة في مسنده عن ابن مسعود قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يجمع الله العلماء يوم القيامة فيقول: إني لم أجعل حكمتي في قلوبكم إلا وأنا أريد بكم الخير اذهبوا إلى الجنة فقد غفرت لكم على ما كان منكم ".
وذكر العارف الياس الكوراني أنه أحد الأحاديث المسلسلة بالأولية، ودلالة الآية على فضلهم ظاهرة بل أخرج ابن المنذر عن ابن مسعود أنه قال: ما خص الله تعالى العلماء في شيء من القرآن ما خصهم في هذه الآية - فضل الله الذين آمنوا وأوتوا العلم على الذين آمنوا ولم يؤتوا العلم بدرجات - وجعل بعضهم العطف عليه للتغاير بالذات بحمل * (الذين آمنوا) * على الذين آمنوا ولم يؤتوا العلم، وفي رواية أخرى عنه يا أيها الذين آمنوا افهموا معنى هذه الآية ولترغبكم في العلم فإن الله تعالى يرفع المؤمن العالم فوق الذي لا يعلم. وادعى بعضهم أن في كلامه رضي الله تعالى عنه إشارة إلى أن - الذين أوتوا - معمول لفعل محذوف والعطف من عطف الجمل أي ويرفع الله تعالى الذي أوتوا العلم خاصة درجات، ونحوه كلام ابن عباس، فقد أخرج عنه ابن المنذر. والبيهقي في المدخل. والحاكم وصححه أنه قال في الآية: يرفع الذين أوتوا العلم من المؤمنين على الذين لم يؤتوا العلم درجات.
وقال بعض المحققين: لا حاجة إلى تقدير العامل، والمعنى على ذلك من غير تقدير، واختار الطيبي التقدير وجعل الدرجات معمولا لذلك المقدر، وقال: يضمر للمذكور أحط منه مما يناسب المقام نحو أن يقال: يرفع الله الذين آمنوا في الدنيا بالنصر وحسن الذكر أو يرفعهم في الآخرة بالإيواء إلى ما لا يليق بهم من غرف الجنات، ويرفع الذين أوتوا العلم درجات تعظيما لهم، وجوز كون المراد بالموصولين واحدا والعطف لتنزيل تغاير الصفات بمنزلة تغاير الذات، فالمعنى يرفع الله المؤمنين العالمين درجات، وكون العطف من عطف الخاص على العام هو الأظهر، وفي الانتصاف في الجزاء برفع الدرجات مناسبة للعمل المأمور به وهو التفسح في المجالس وترك ما تنافسوا فيه من الجلوس في أرفعها وأقربها من النبي صلى الله عليه وسلم فلما كان الممتثل لذلك
(٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 ... » »»