قتل رئيسهم كعب بن الأشرف فإنه مما أضعف قوتهم وقل شوكتهم وسلب قلوبهم الأمن والطمأنينة، وقيل: ضمير * (أتاهم) * و * (لم يحتسبوا) * للمؤمنين أي فأتاهم نصر الله من حيث لم يحتسبوا، وفيه تفكيك الضمائر. / جسم] وقرىء فآتاهم الله، وهو حينئذ متعد لمفعولين. ثانيهما محذوف أي فآتاهم الله العذاب أو النصر * (وقذف في قلوبهم الرعب) * أي الخوف الشديد من رعبت الحوض إذا ملأته لأنه يتصور فيه أنه ملأ القلب، وأصل القذف الرمي بقوة أو من بعيد، والمراد به هنا للعرف إثبات ذلك وركزه في قلوبهم.
* (يخربون بيوتهم بأيديهم) * ليسدوا بما نقضوا منها من الخشب والحجارة أفواه الأزقة، ولئلا تبقى صالحة لسكنى المسلمين بعد جلائهم ولينقلوا بعض آلاتها المرغوب فيها مما يقبل النقل كالخشب والعمد والأبواب * (وأيدي المؤمنين) * حيث كانوا يخربونها من خارج ليدخلوها عليهم وليزيلوا تحصنهم بها وليتسع مجال القتال ولتزداد نكايتهم، ولما كان تخريب أيدي المؤمنين بسبب أمر أولئك اليهود كان التحريب بأيدي المؤمنين كأنه صادر عنهم، وبهذا الاعتبار عطفت * (أيدي المؤمنين) * على - أيديهم - وجعلت آلة لتخريبهم مع أن الآلة هي أيديهم أنفسهم - فيخربون - على هذا إما من الجمع بين الحقيقة والمجاز أو من عموم المجاز، والجملة إما في محل نصب على الحالية من ضمير * (قلوبهم) * أو لا محل لها من الإعراب، وهي إما مستأنفة جواب عن سؤال تقديره فما حالهم بعد الرعب؟ أو معه. أو تفسير للرعب بادعاء الاتحاد لأن ما فعلوه يدل على رعبهم إذ لولاه ما خربوها.
وقرأ قتادة. والجحدري. ومجاهد. وأبو حيوة. وعيسى. وأبو عمرو * (يخربون) * بالتشديد وهو للتكثير في الفعل أو في المفعول، وجوز أن يكون في الفاعل، وقال أبو عمرو بن العلاء: خرب بمعنى هدم وأفسد، وأخرب ترك الموضع خرابا وذهب عنه، فالإخراب يكون أثر التخريب، وقيل: هما بمعنى عدى خرب اللازم بالتضعيف تارة. وبالهمزة أخرى * (فاعتبروا يأولي الأبصار) * فاتعظوا بما جرى عليهم من الأمور الهائلة على وجه لا تكاد تهتدي إليه الأفكار، واتقوا مباشرة ما أداهم إليه من الكفر والمعاصي، واعبروا من حالهم في غدرهم واعتمادهم على غير الله تعالى - الصائرة سببا لتخريب بيوتهم بأيديهم وأيدي أعدائهم ومفارقة أو طانهم مكرهين - إلى حال أنفسكم فلا تعولوا على تعاضد الأسباب وتعتمدوا على غيره عز وجل بل توكلوا عليه سبحانه. واشتهر الاستدلال بالآية على مشروعية العمل بالقياس الشرعي، قالوا: إنه تعالى أمر فيها بالاعتبار وهو العبور والانتقال من الشيء إلى غيره، وذلك متحقق في القياس إذا فيه نقل الحكم من الأصل إلى الفرع، ولذا قال ابن عباس في الأسنان: اعتبر حكمها بالأصابع في أن ديتها متساوية، والأصل في الإطلاق الحقيقة وإذ ثبت الأمر - وهو ظاهر في الطلب الغير الخارج عن اقتضاء الوجوب أو الندب - ثبتت مشروعية العمل بالقياس، واعترض بعد تسليم ظهور الأمر في الطلب بأنا لا نسلم أن الاعتبار ما ذكر بل هو عبارة عن الاتعاظ لأنه المتبادر حيث أطلق، ويقتضيه في الآية ترتيبه بالفاء على ما قبله كما في قوله تعالى: * (إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار) * (آل عمران: 13) * (وإن لكم في الأنعام لعبرة) * (النحل: 66) ولأن القائس في الفرع إذا قدم على المعاصي ولم يتفكر في أمر آخرته يقال: إنه غير معتبر، ولو كان القياس هو الاعتبار - لم يصح هذا السلب - سلمان لكن ليس في الآية صيغة عموم تقتضي العمل بكل قياس بل هي مطلقة - فيكفي في العمل بها العمل بالقياس العقلي - سلمنا لكن العام مخصص بالاتفاق إذ قلتم: إنه إذا قال لوكيله: أعتق غانما لسواده لا يجوز تعديه ذلك إلى سالم، وإن كان أسود،