وقال ابن السائب: في المنافقين، والخطاب للرسول عليه الصلاة والسلام والهمزة للتعجيب من حالهم، وصيغة المضارع للدلالة على تكرر عودهم وتجدده واستحضار صورته العجيبة، وقوله تعالى:
* (ويتناجون بالاثم والعدوان ومعصيت الرسول) * عطف عليه داخل في حكمه أي ويتناجون بما هو إثم في نفسه ووبال عليهم وتعد على المؤمنين وتواص بمخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم، وذكره عليه الصلاة والسلام بعنوان الرسالة بين الخطابين المتوجهين - وإليه صلى الله عليه وسلم - لزيادة تشنيعهم واستعظام معصيتهم.
وقرأ حمزة. وطلحة. والأعمش. ويحيى بن وثاب. ورويس - وينتجون - بنون ساكنة بعد الياء وضم الجيم مضارع انتجى، وقرأ أبو حيوة - العدوان - بكسر العين حيث وقع، وقرىء - معصيات - بالجمع ونسبت فيما بعد إلى الضحاك * (وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله) * صح من رواية البخاري. ومسلم. وغيرهما عن عائشة " أن ناسا من اليهود دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليك يا أبا القاسم فقال عليه الصلاة والسلام: وعليكم، قالت عائشة: وقلت: عليكم السام ولعنكم الله وغضب عليكم " وفي رواية " عليكم السام والذام واللعنة، فقال عليه الصلاة والسلام: يا عائشة إن الله لا يحب الفاحش ولا المتفحش، فقلت: ألا تسمعهم يقولون: السام؟! فقال صلى الله عليه وسلم: أو ما سمعت أقول: وعليكم؟! فأنزل الله تعالى * (وإذا جاؤك) * " الآية.
وأخرج أحمد. والبيهقي في " شعب الايمان " بسند جيد عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن اليهود كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم سام عليك يريدون بذلك شتمه ثم يقولون في أنفسهم: لولا يعذبنا الله بما نقول فنزلت هذه الآية * (وإذا جاءك) * الخ، والسام قال ابن الأثير: المشهور فيه ترك الهمز ويعنون به الموت، وجاء في رواية مهموزا ومعناه أنكم تسأمون دينكم، وصرح الخفاجي بأنه بمعنى الموت عبراني، ولم يذكر فيه الهمز وتركه.
وقال الطبرسي: من قال: السام الموت فهو من سأم الحياة بذهابها وهذا إرجاع له إلى المهموز، وجعل البيضاوي من التحية التي لم يحيه بها الله تعالى تحيتهم له عليه الصلاة والسلام بأنعم صباحا وهي تحية الجاهلية كعم صباحا ولم نقف على أثر في ذلك، وقوله تعالى: * (ويقولون في أنفسهم) * أي فيما بينهم، وجوز إبقاؤه على ظاهره * (لولا يعذبنا الله بما نقول) * أي هلا يعذبنا الله تعالى بسبب ذلك لو كان محمد صلى الله عليه وسلم نبيا - أي لو كان نيا عذبنا الله تعالى بسبب ما نقول من التحية - أوفق بالأول لأن أنعم صباحا دعاء بخير والعدول إليه عن تحية الإسلام التي حيا الله تعالى بها رسوله صلى الله عليه وسلم، وأشير إليها بقوله تعالى: * (سلام على المرسلين) * (الصافات: 181) * (وسلام على عباده الذين اصطفى) * (النمل: 59) وما جاء في التشهد " السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته " ليس فيه كثير إثم يتوقع معه التعذيب الدنيوي حتى أنهم يقولون ذلك إذا لم يعذبوا اللهم إلا إذا انضم إليه أنهم قصدوا بذلك تحقيرا وإعلانا بعدم الاكتراث، ولعل قائل ذلك هم المنافقون من المشركين وهو أظهر من كون قائله اليهود، وحكم التحية به اليوم أنها خلاف السنة، والقول بالكراهة غير بعيد.
وفي تحفة المحتاج لا يستحق مبتدي بنحو صبحك الله بالخير أو قواك الله جوبا ودعاؤه له في نظيره حسن إلا أن يقصد بإهماله له تأديبه لتركه سنة السلام انتهى، وأنعم صباحا نحو صبحك الله بالخير، غاية ما في الباب أنه