تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٨ - الصفحة ٣١
الزكاة والمعول عليه الأول، ولم يعين مقدار الصدقة ليجزي الكثير والقليل، أخرج الترمذي وحسنه. وجماعة عن علي كرم الله تعالى وجهه قال: لما نزلت * (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم) * الخ قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: " ما ترى في دينار؟ قلت: لا يطيقونه، قال: نصف دينار؟ قلت: لا يطيقونه، قال: فكم؟ قلت: شعيرة، قال: فإنك لزهيد " فلما نزلت * (أأشفقتم) * الآية قال صلى الله عليه وسلم: " خفف الله عن هذه الأمة " ولم يعمل بها على المشهور غيره كرم الله تعالى وجهه، أخرج الحاكم وصححه. وابن المنذر. وعبد بن حميد. وغيرهم عنه كرم الله تعالى وجهه أنه قال: إن في كتاب الله تعالى لآية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي آية النجوى * (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول) * الخ كان عندي دينار فبعته بعشرة دراهم فكنت كلما ناجيت النبي صلى الله عليه وسلم قدمت بين يدي نجواي درهما ثم نسخت فلم يعمل بها أحد، فنزلت * (أأشفقتم) * الآية، قيل: وهذا على القول بالوجوب محمول على أنه لم يتفق للأغنياء مناجاة في مدة بقاء الحكم، واختلف في مدة بقائه، فعن مقاتل أنها عشرة ليال، وقال قتادة: ساعة من نهار، وقيل: إنه نسخ قبل العمل به ولا يصح لما صح آنفا.
وقرى - صدقات - بالجمع لجمع المخاطبين * (ذلك) * أي تقديم الصدقات * (خير لكم) * لما فيه من الثواب * (وأطهر) * وأزكى لأنفسكم لما فيه من تعويدها على عدم الاكتراث بالمال وإضعاف علاقة حبه المدنس لها، وفيه إشارة إلى أن في ذلك إعداد النفس لمزيد الاستفاضة من رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المناجاة.
وفي الكلام إشعار بندب تقديم الصدقة لكن قوله تعالى: * (فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم) * أي لمن لم يجد حيث رخص سبحانه له في المناجاة بلا تقديم صدقة أظهر إشعارا بالوجوب.
* (أءشفقتم أن تقدموا بين يدى نجواكم صدق‍ات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلواة وءاتوا الزكواة وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون) *.
* (ءأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدق‍ات) * أي أخفتم الفقر لأجل تقديم الصدقات فمفعول * (أشفقتم) * محذوف، و * (أن) * على إضمار حرف التعليل، ويجوز أن يكون المفعول * (أن تقدموا) * فلا حذف أي أخفتم تقديم الصدقات لتوهم ترتب الفقر عليه، وجمع الصدقات لما أن الخوف لم يكن في الحقيقة من تقديم صدقة واحدة لأنه ليس مظنة الفقر بل من استمرار الأمر، وتقديم * (صدقات) * وهذا أولى مما قيل: إن الجمع لجمع المخاطبين إذ يعلم منه وجه إفراد الصدقة فيما تقدم على قراءة الجمهور * (فإذ لم تفعلوا) * ما أمرتم به وشق عليكم ذلك * (وتاب الله عليكم) * بأن رخص لكم المناجاة من غير تقديم صدقة، وفيه على ما قيل: إشعار بأن إشفاقهم ذنب تجاوز الله تعالى عنه لما رؤى منهم من الانقياد وعدم خوف الفقر بعد ما قام مقام توبتهم * (وإذ) * على بابها أعني أنها ظرف لما مضى، وقيل: إنها بمعنى * (إذ) * الظرفية للمستقبل كما في قوله تعالى: * (إذ الأغلال في أعناقهم) * (غافر: 71).
وقيل: بمعنى إن الشرطية كأنه قيل: فإن لم تفعلوا * (فأقيموا الصلواة وءاتوا الزكوة) * والمعنى على الأول إنكم تركتم ذلك فيما مضى فتداركوه بالمثابرة على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، واعتبرت المثابرة لأن المأمورين مقيمون للصلاة ومؤتون للزكاة، وعدل فصلوا إلى * (فأقيموا الصلاة) * ليكون المراد المثابرة على توفية حقوق الصلاة ورعاية ما فيه كمالها لا على أصل فعلها فقط، ولما عدل عن ذلك لما ذكر جيء بما بعده على وزانه؛ ولم يقل وزكوا لئلا يتوهم أن المراد الأمر بتزكية النفس كذا قيل فتدبر * (وأطيعوا الله ورسوله) * أي في سائر الأوامر، ومنها ما تقدم في ضمن قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا) * (المجادلة: 11) الآيات وغير ذلك.
(٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 ... » »»