تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٨ - الصفحة ١٣٦
يجعل له مخرجا إلى الحلال، وقيل: * (مخرجا) * من الشدة إلى الرخاء، وقيل: من النار إلى الجنة. وقيل: * (مخرجا) * من العقوبة * (ويرزقه من حيث لا يحتسب) * من الثواب، وقال الكلبي: * (من يتق الله) * عند المصيبة * (يجعل له مخرجا) * إلى الجنة، والكل كما ترى، والمعول عليه العموم الذي سمعته، وفي الكشف إن تنويع الوعد للمتقي وتكرير الحث عليه بعد الدلالة على أن التقوى ملاك الأمر عند الله تعالى ناط به سبحانه سعادة الدارين يدل على أن أمر الطلاق والعدة من الأمور التي تحتاج إلى فضل تقوى لأنه أبغض المباح إلى الله عز وجل لما يتضمن من الايحاش وقطع الألفة الممهدة، ثم الاحتياط في أمر النسب الذي هو من جلة المقاصد يؤذن بالتشديد في أمر العدة فلا بد من التقوى ليقع الطلاق على وجه يحمد عليه، ويحتاط في العدة ما يجب فهنالك يحصل للزوجين المخرج في الدنيا والآخرة، وعليه فالزوجة داخلة في العموم كالزوج * (ومنح يتوكل على الله فهو حسبه) * أي كافيه عز وجل في جميع أموره.
وأخرج أحمد في الزهد عن وهب قال: " يقول الرب تبارك وتعالى: إذا توكل علي عبدي لو كادته السماوات والأرض جعلت له من بين ذلك المخرج " * (إن الله بلغ أمره) * بإضافة الوصف إلى مفعوله والأصل بالغ أمره بالنصب - كما قرأ به الأكثرون - أي يبلغ ما يريده عز وجل ولا يفوته مراد.
وقرأ ابن أبي عبلة في رواية. وداود بن أبي هند. وعصمة عن أبي عمرو - بالغ - بالرفع منونا * (أمره) * بالرفع على أنه فاعل - بالغ - الخبر - لأن - أو مبتدأ، و * (بالغ) * خبر مقدم له، والجملة خبر * (إن) * أي نافذ أمره عز وجل، وقرأ المفضل في رواية أيضا بالغا بالنصب * (أمره) * بالرفع، وخرج ذلك على أن بالغا حال من فاعل * (جعل) * في قوله تعالى: * (قد جعل الله لكل شيء قدرءا) * لا من المبتدأ لأنهم لا يرتضون مجيء الحال منه، وجملة * (قد جعل) * الخ خبر * (إن) *، وجوز أن يكون بالغا هو الخبر على لغة من ينصب الجزأين - بإن - كما في قوله: إذا اسود جنح الليل فلتأت ولتكن * خطاك خفافا " إن " حراسنا أسدا وتعقب بأنها لغة ضعيفة، ومعنى * (قدرا) * تقديرا، والمراد تقديره قبل وجوده، أو مقدارا من الزمان، وهذا بيان لوجوب التوكل عليه تعالى وتفويض الأمر إليه عز وجل لأنه إذا علم أن كل شيء من الرزق. وغيره لا يكون إلا بتقديره تعالى لا يبقى إلا التسليم للقدر، وفيه على ما قيل: تقرير لما تقدم من تأقيت الطلاق والأمر بإحصاء العدة، وتمهيد لما سيأتي إن شاء الله تعالى من مقاديرها.
وقرأ جناح بن حبيش * (قدرا) * بفتح الدال.
* (واللائى يئسن من المحيض من نسآئكم إن ارتبتم فعدتهن ثل‍اثة أشهر والل‍اتي لم يحضن وأول‍ات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا) *.
* (وال‍ئى يئسن من المحيض) *، وقرىء - ييأسن - مضارعا * (من نسائكم) * لكبرهن، وقد قدر بعضهم سن اليأس بستين سنة، وبعضهم بخمس وخمسين، وقيل: هو غالب سن يأس عشيرة المرأة، وقيل غالب سن يأس النساء في مكانها التي هي فيه فإن المكان إذا كان طيب الهواء والماء - كبعض الصحاري - يبطىء فيه سن اليأس، وقيل: أقصى عادة امرأة في العالم، وهذا القول - بالغ درجة اليأس - من أن يقبل * (إن ارتبتم) * أي إن شككتم وترددتم في عدتهن، أو إن جهلتم عدتهن * (فعدتهن ثل‍اثة أشهر) * أخرج الحاكم وصححه. والبيهقي في سننه. وجماعة عن أبي بن كعب
(١٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 ... » »»