يطلقن على النشوز على ما روي عن قتادة أيضا، والاستثناء عليه قيل: راجع إلى الأول أيضا، وفي الكشف هو راجع إلى الكل لأنه إذا سقط حقها في السكنى حل الإخراج والخروج أيضا، وأيا ما كان فليس في الآية حصر المبيح لفعل المنهى عنه بالاتيان بالفاحشة، وقد بينت المبيحات في كتب الفروع فليراجعها من أراد ذلك.
وقرأ ابن كثير. وأبو بكر * (مبينة) * بالفتح * (وتلك) * إشارة إلى ما ذكر من الأحكام أي تلك الأحكام الجليلة الشأن * (حدود الله) * التي عينها لعباده عز وجل * (ومن يتعد حدود الله) * أي حدوده تعالى المذكورة بأن أخل بشيء منها على أن الإظهار في موضع الاضمار لتهويل أمر التعدي والاشعار بعلة الحكم في قوله تعالى: * (فقد ظلم نفسه) * أي أضر بها كما قال شيخ الإسلام، ونقل عن بعض تفسير الظلم بتعريضها للعقاب، وتعقبه بأنه يأباه قوله سبحانه: * (لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) * فإنه استئناف مسوق لتعليل مضمون الشرطية؛ وقد قالوا: إن الأمر الذي يحدثه الله تعالى أن يقلب قلبه عما فعله بالتعدي إلى خلافه فلا بد أن يكون الظلم عن ضرر دنيوي يلحقه بسبب تعديه ولا يمكنه تداركه، أو عن مطلق الضرر الشامل للدنيوي والأخروي، وخص التعليل بالدنيوي لكون احتراز أكثر الناس منه أشد واهتمامهم بدفعه أقوى.
ورد بأن الضرر الدنيوي غير محقق فلا ينبغي تفسير الظلم ههنا به، وأن قوله تعالى: * (لا تدري) * الخ ليس تعليلا لما ذكر بل هو ترغيب للمحافظة على الحدود بعد الترهيب، وفيه أنه بالترهيب أشبه منه بالترغيب، ولعل المراد من أضر بها عرضها للضرر، فالظلم هو ذلك التعريض ولا محذور في تفسيره به فيما يظهر، وجملة الترجي في موضع النصب ب * (- لا تدري) *، وعد أبو حيان * (لعل) * من المعلقات، والخطاب في * (لا تدري) * للمتعدي بطريق الالتفات لمزيد الاهتمام بالزجر عن التعدي لا للنبي صلى الله عليه وسلم كما قيل، فالمعنى من يتعدى حدود الله تعالى فقد عرض نفسه للضرر فإنك لا تدري أيها المتعدي عاقبة الأمر * (لعل الله) * تعالى يحدث في قلبك * (بعد ذلك) * الذي فعلت من التعدي * (أمرا) * يقتضي خلاف ما فعلته فيكون بدل بغضها محبة وبدل الاعراض عنها إقبالا إليها، ولا يتسنى تلا فيه برجعة أو استئناف نكاح.
* (فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوى عدل منكم وأقيموا الشهادة لله ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الاخر ومن يتق الله يجعل له مخرجا) *.
* (فإذا بلغن أجلهن) * شارفن آخر عدتهن.
* (فامسكوهن) * فراجعوهن * (بمعروف) * بحسن معاشرة وإنفاق مناسب للحال من الجانبين. * (أو فارقوهن بمعروف) * بايفاء الحق واتقاء الضرار مثل أن يراجعها ثم يطلقها تطويلا للعدة.
* (وأشهدوا ذوى عدل منكم) * عند الرجعة إن اخترتموها أو الفرقة إن اخترتموها تبريا عن الريبة وقطعا للنزاع، وهذا أمر ندب كما في قوله تعالى: * (وأشهدوا إذا تبايعتم) *، وقال الشافعي في القديم: إنه للوجوب في الرجعة، وزعم الطبرسي أن الظاهر أنه أمر بالاشهاد على الطلاق وأنه مروى عن أئمة أهل البيت رضوان الله تعالى عليهم أجمعين. وأنه للوجوب وشرط في صحة الطلاق * (وأقيموا الشهادة) * أي أيها الشهود عند الحاجة * (لله) * خالصا لوجهه تعالى، وفي الآية دليل على بطلان قول من قال: إنه إذا تعاطف أمران لمأمورين يلزم ذكر النداء أو يقبح تركه نحو أضرب يا زيد. وقم يا عمرو، ومن خص جواز الترك بلا قبح باختلافهما كما في قوله تعالى: * (يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك) * (يوسف: 29) فإن المؤمور بقوله تعالى: