تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٨ - الصفحة ١٣٣
* (وأحصوا العدة) * واضبطوها وأكملوها ثلاثة قروء كوامل، وأصل معنى الإحصاء العد بالحصى كما كان معتادا قديما ثم صار حقيقة فيما ذكر * (واتقوا الله ربكم) * في تطويل العدة عليهن والاضرار بهن، وفي وصفه تعالى بربوبيته عز وجل لهم تأكيد للأمر ومبالغة في إيجاب الاتقاء * (لا تخرجوهن من بيوتهن) * من مساكنهن عند الطلاق إلى أن تنقضي عدتهن، وإضافتها إليهن وهي لأزواجهن لتأكيد النهي ببيان كمال استحقاقهن لسكناها كأنها أملاكهن، وعدم العطف للإيذان باستقلاله بالطلب اعتناءا به، والنهي عن الإخراج يتناول عدم إخراجهن غضبا عليهن. أو كراهة لمساكنتهن. أو لحاجة لهم إلى المساكن. أو محض سفه بمنطوقه، ويتناول عدم الاذن لهن في الخروج بإشارته لأن خروجهن محرم بقوله تعالى: * (ولا يخرجن) * أما إذا كانت لا ناهية كالتي قبلها فظاهر، وأما إذا كانت نافية فلأن المراد به النهي، وهو أبلغ من النهي الصريح كما لا يخفى، والاذن في فعل المحرم محرم فكأنه قيل: لا تخرجوهن ولا تأذنوا لهن في الخروج إذا طلبن ذلك ولا يخرجن بأنفسهن إن أردن، فهناك دلالة على أن سكونهن في البيوت حق للشرع مؤمد فلا يسقط بالاذن، وهذا على ما ذكره الجلبي مذهب الحنفية، ومذهب الشافعية أنهما لو اتفقا على الانتقال جاز إذ الحق لا يعدوهما، فالمعنى لا تخرجوهن ولا يخرجن باستبدادهن؛ وتعقب الشهاب كون ذلك مذهب الحنفية بقوله: فيه نظر، وقد ذكر الرازي في الأحكام ما يدل على خلافه وأن السكنى كالنفقة تسقط بالاسقاط انتهى.
والذي يظهر من كلامهم ما ذكره الجلبي " وقد نص عليه الحصكفي في الدر المختار، وعلله بأن ذلك حق الله تعالى فلا يسقط بالاذن، وفي الفتح لو اختلعت على أن لا سكنى لها تبطل مؤنة السكنى عن الزوج ويلزمها أن تكتري بيته، وأما أن يحل لها الخروج فلا * (إلا أن يأتين بف‍ا - حشة مبينة) * أي ظاهرة هي نفس الخروج قبل انقضاء العدة كما أخرجه عبد الرزاق. وعبد بن حميد. وابن المنذر. والبيهقي في سننه. وابن مردويه. والحاكم وصححه عن ابن عمر، وروي عن السدى. وابن السائب. والنخعي - وبه أخذ أبو حنيفة - والاستثناء عليه راجع إلى * (لا يخرجن) * والمعنى لا يطلق لهن في الخروج إلا في الخروج الذي هو فاحشة، ومن المعلوم أنه لا يطلق لهن فيه فيكون ذلك منعا عن الخروج على أبلغ وجه، وقال الإمام ابن الهمام: هذا كما يقال في الخطابية: لا تزن إلا أن تكون فاسقا. ولا تشتم أمك إلا أن تكون قاطع رحم، ونحو ذلك وهو بديع وبليغ جدا، والزنا على ما روي عن قتادة. والحسن. والشعبي. وزيد بن أسلم. والضحاك. وعكرمة. وحماد. والليث، وهو قول ابن مسعود. وقول ابن عباس؛ وبه أخذ أبو يوسف، والاستثناء عليه راجع إلى لا تخرجوهن على ما يقتضيه ظاهر كلام جمع أي لا تخرجوهن إلا إن زنين فأخرجوهن لإقامة الحد عليهن، وقال بعض المحققين: هو راجع إلى الكل وما يوجب حدا من زنا. أو سرقة. أو غيرهما - كما أخرجه عبد بن حميد عن سعيد بن المسيب - واختاره الطبري، والبذاء على الأحماء أي أو على الزوج - كما أخرجه جماعة من طرق عن ابن عباس - والاستثناء راجع إلى الأول أي لا تخرجوهن إلا إذا طالت ألسنتهن وتكلمن بالكلام الفاحش القبيح على أزواجهن أو أحمائهن، وأيد بقراءة أبي - إلا أن يفحشن عليكم - بفتح الياء وضم الحاء، وفي موضح الأهواري - يفحشن - من أفحش، قال الجوهري: أفحش عليه في النطق أي أتى بالفحس، وفي حرف ابن مسعود - إلا أن يفحشن بدون عليكم والنشوز، والمراد إلا أن
(١٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 ... » »»