تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٨ - الصفحة ١٣٨
عنه من وجه آخر، وصح أن سبيعة بنت الحرث الأسلمية كانت تحت سعد بن خولة فتوفى عنها في حجة الوداع وهي حامل فوضعت بعد وفاته بثلاثة وعشرين يوما، وفي رواية بخمس وعشرين ليلة، وفي أخرى بأربعين ليلة فاختضبت وتكحلت وتزينت تريد النكاح فأنكر ذلك عليها فسئل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " إن تفعل فقد خلا أجلها " وذهب علي كرم الله تعالى وجهه. وابن عباس رضي الله تعالى عنهما إلى أن الآية في المطلقات، وأما المتوفى عنها زوجها فعدتها آخر الأجلين، وهو مذهب الإمامية كما في " مجمع البيان ".
وعلى ما تقدم فالآية ناسخة لقوله تعالى: * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن) * الآية على رأي أصحاب أبي حنيفة ومن وافقهم من الشافعية لأن العام المطلق المتأخر ناسخ عندهم فأولى أن يكون العام من وجه كذلك، وأما من لم يذهب إليه فمن لم يجوز تأخير بيان العام قال: بالنسخ أيضا لأن العام الأول حينئذ مراد تناوله لأفراده، وفي مثله لا خلاف في أن الخاص المتراخي ناسخ بقدره لا مخصص، ومن جوز ذهب إلى التخصيص بناءا على أن التي في القصرى أخص مطلقا، ووجهه أنه ذكر في البقرة حكم المطلقات من النساء وحكم المتوفى عنهن الأزواج على التفريق، ثم وردت هذه مخصة في البابين لشمول لفظ الأجل العدتين، وخصوص - أولات الأحمال - مطلقا بالنسبة إلى الأزواج، وهذا كما يقول القائل: هندية الموالي لهم كذا وتركيتهم لهم كذا لجنس آخر، ثم يقول: والكهول منهم لهم دون ذلك أو فوقه أو كذا مريدا صنفا آخر يكون الأخير مخصصا للحكمين، ولا نظر إلى اختلاف العطايا لشمول اللفظ الدال على الاختصاص وخصوص الكهول من الموالي مطلقا كذلك فيما نحن فيه لا نظر إلى اختلاف العدتين لشمول لفظ الأجل، وخصوص - أولات الأحمال - بالنسبة إلى الأزواج مطلقا، وإن شئت فقل: بالنسبة إلى المطلقات والمتوفى عنهن رجالهن مطلقا فلا فرق - قاله في " الكشف " - ثم قال: ومن ذهب إلى أبعد الأجلين احتج بأن النصين متعاضدان لأن بينهما عموما وخصوصا من وجه ولا وجه للإلغاء فيلزم الجمع، وفي القول بذلك يحصل الجمع لأن مدة الحمل إذا زادت فقد تربصت أربعة أشهر وعشرا مع الزيادة وإن قصرت وتربصت المدة فقد وضعت وتربصت فيحصل العمل بمقتضى الآيتين، والجواب أنه إلغاء للنصين لا جمع إذ المعتبر الجمع بين النصين لا بين المدتين وذلك لفوات الحصر والتوقيت الذي هو مقتضى الآيتين اه‍ فتدبر.
وقرأ الضحاك - أحمالهن - جمعا * (ومن يتق الله) * في شأن أحكامه تعالى ومراعاة حقوقها: * (يجعل له من أمره يسرا) * بأن يسهل عز وجل أمره عليه، وقيل: اليسر الثواب * (ومن) * قيل: للبيان قدم على المبين للفاصلة، وقيل: بمعنى في، وقيل: تعليلية.
* (ذلك أمر الله أنزله إليكم ومن يتق الله يكفر عنه سيئ‍اته ويعظم له أجرا) *.
* (ذلك) * إشارة إلى ما ذكر من الأحكام وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد المنزلة في الفضل، وإفراد الكاف - مع أن الخطاب للجمع كما يفصح عنه قوله تعالى: * (أمر الله أنزله إليكم) * - لما أنها لمجرد الفرق بين الحاضر والمنقضي لا لتعيين خصوصية المخاطبين * (ومن يتق الله) * بالمحافظة على أحكامه عز وجل * (يكفر عنه سيئاته) * فإن الحسنات يذهبن السيآت * (ويعظم له أجرا) * بالمضاعفة، وقرأ الأعمش - نعظم - بالنون التفاتا من الغيبة إلى التكلم، وقرأ ابن مقسم - يعظم - بالياء والتشديد مضارع عظم مشددا، وقوله تعالى:
* (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضآروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أول‍ات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن أرضعن لكم فااتوهن أجورهن وأتمروا بينكم بمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى) *.
* (أسكنوهن من حيث سكنتم) * استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ
(١٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 ... » »»