تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٨ - الصفحة ١٤٠
ليأمر بعضكم بعضا بمعروف أي جميل في الأجرة والإرضاع ولا يكن من الأب مماكسة ولا من الأم معاسرة، وقيل: المعروف الكسوة والدثار * (وإن تعاسرتم) * أي تضايقتم أي ضيق بعضكم على الآخر بالمشاحة في الأجرة أو طلب الزيادة أو نحو ذلك * (فسترضع له أخرى) * أي فستوجد ولا تعوز مرضعة أخرى، وفيه على ما قيل: معاتبة للأم لأنه كقولك لمن تستقضيه حاجة فتتعذر منه: سيقضيها غيرك أي ستقضي وأنت ملوم.
وخص الأم بالمعاتبة على ما قال ابن المنير لأن المبذول من جهتها هو لبنها لولدها وهو غير متمول ولا مضمون به في العرف وخصوصا من الأم على الولد، ولا كذلك المبذول من جهة الأب فإنه المال المضنون به عادة، فالأم إذن أجدر باللوم وأحق بالعتب، والكلام على معنى فليطلب له الأب مرضعة أخرى فيظهر الارتباط بين الشرط والجزاء، وقال بعض الأجلة: إن الكلام لا يخلو عن معاتبة الأب أيضا حيث أسقط في الجواب عن حيز شرف الخطاب مع الإشارة إلى أنه إذا ضايق الأم في الأجر فامتنعت من الإرضاع لذلك فلا بد من إرضاع امرأة أخرى، وهي أيضا تطلب الأجر في الأغلب والأم أشفق فهي به أولى، وبذلك يظهر كمال الارتباط، والأول أظهر فتدبر، وقيل: * (فسترضع) * خبر بمعنى الأمر أي فلترضع، وليس بذاك، وهذا الحكم إذا قبل الرضيع ثدي أخرى أما إذا لم يقبل إلا ثدي أمه فقد قالوا: تجبر على الإرضاع بأجرة مثلها.
* (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق ممآ ءاتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا مآ ءاتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا) *.
* (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر) * أي ضيق * (عليه رزقه فلينفق مما ءات‍اه الله) * وإن قل، والمراد لينفق كل واحد من الموسر والمعسر ما يبلغه وسعه، والظاهر أن المأمور بالانفاق الآباء، ومن هنا قال ابن العربي: هذه الآية أصل في وجوب النفقة على الأب، وخالف في ذلك محمد بن المواز فقال: بوجوبها على الأبوين على قدر الميراث، وحكى أبو معاذ أنه قرىء * (لينفق) * بلام كي ونصب القاف على أن التقدير شرعنا ذلك لينفق.
وقرأ ابن أبي عبلة * (قدر) * مشدد الدال * (لا يكلف الله نفسا إلا ما ءات‍اها) * أي إلا بقدر ما أعطاها من الطاقة، وقيل: ما أعطاها من الأرزاق قل أو جل، وفيه تطييب واستمالة لقلب المعسر لمكان عبارة * (آتاها) * الخاصة بالإعسار قبل وذكر العسر بعد، واستدل بالآية من قال لا فسخ بالعجز عن الانفاق على الزوجة، وهو ما ذهب إليه عمر بن عبد العزيز. وأبو حنيفة. وجماعة. وعن أبي هريرة. والحسن. وابن المسيب. ومالك. والشافعي. وأحمد. وإسحق يفسخ النكاح بالعجز عن الانفاق ويفرق بين الزوجين، وفيها على ما قال السيوطي: استحباب مراعاة الإنسان حال نفسه في النفقة والصدقة، ففي الحديث " إن المؤمن أخذ عن الله تعالى أدبا حسنا إذا هو سبحانه وسع عليه وسع وإذا هو عز وجل قتر عليه قتر "، وقوله تعالى: * (سيجعل الله بعد عسر يسرا) * موعد لفقراء ذلك الوقت بفتح أبواب الرزق عليهم، أو لفقراء الأزواج إن أنفقوا ما قدروا عليه ولم يقصروا، وهو على الوجهين تذييل إلا أنه على الأول مستقل، وعلى الثاني غير مستقل.
* (وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبن‍اها حسابا شديدا وعذبن‍اها عذابا نكرا) *.
* (وكأين من قرية) * أي كثير من أهل قرية.
وقرأ ابن كثير - وكائن - بالمد والهمزة، وتفصيل الكلام فيها قد مر * (عتت) * تجبرت وتكبرت معرضة * (عن أمر ربها ورسله) * فلم تمتثل ذلك * (فحاسبن‍اها حسابا شديدا) * بالاستقصاء والتنقير والمناقشة
(١٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 ... » »»