تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٨ - الصفحة ١٤١
في كل نقير من الذنوب وقطمير * (وعذبن‍اها عذابا نكرا) * أي منكرا عظيما، والمراد حساب الآخرة وعذابها، والتعبير عنهما بلفظ الماضي للدلالة على تحققهما كما في قوله تعالى: * (ونفخ في الصور) *.
وقرأ غير واحد * (نكرا) * بضمتين.
* (فذاقت وبال أمرها وكان ع‍اقبة أمرها خسرا) *.
* (فذاقت وبال أمرها) * عقوبة عتوها * (وكان ع‍اقبة أمرها خسرا) * هائلا لا خسر وراءه.
* (أعد الله لهم عذابا شديدا فاتقوا الله ياأولى الألب‍ابالذين ءامنوا قد أنزل الله إليكم ذكرا) *.
* (أعد الله لهم عذابا شديدا) * تكرير للوعيد وبيان لما يوجب التقوى المأمور بها بقوله تعالى: * (فاتقوا الله ي‍اأولى الألب‍اب) * كأنه قيل: أعد الله تعالى لهم هذا العذاب فليكن لكم ذلك يا أولى الألباب داعيا لتقوى الله تعالى وحذر عقابه، وقال الكلبي: الكلام على التقديم والتأخير، والمراد * (فعذبناها عذابا نكرا) * في الدنيا بالجوع والقحط والسيف وسائر المصائب والبلايا * (وحاسبناها حسابا شديدا) * في الآخرة.
والظاهر أن قوله تعالى: * (أعد) * الخ عليه تكرير للوعيد أيضا، وجوز أن يراد بالحساب الشديد استقصاء ذنوبهم وإثباتها في صحائف الحفظة، وبالعذاب النكر ما أصابهم عاجلا، وتجعل جملة * (عتت) * الخ صفة لقرية، والماضي في * (فحاسبناها. وعذبناها) * على الحقيقة، وخبر * (كأين) * جملة * (أعد الله) * الخ، أو تجعل جملة * (عتت) * الخ هي الخبر، وجملة * (أعد الله) * الخ استئناف لبيان أن عذابهم غير منحصر فيما ذكر بل لهم بعده عذاب شديد، وقوله تعالى: * (الذين ءامنوا) * منصوب باضمار أعني بيانا للمنادى السابق أو نعت له أو عطف بيان، وفي إبداله منه ضعف لعدم صحة حلوله محله * (قد أنزل الله إليكم ذكرا) * هو النبي صلى الله عليه وسلم عبر به عنه لمواظبته عليه الصلاة والسلام على تلاوة القرآن الذي هو ذكر، أو تبليغه والتذكير به، وقوله تعالى:
* (رسولا يتلو عليكم ءاي‍ات الله مبين‍ات ليخرج الذين ءامنوا وعملوا الص‍الح‍ات من الظلم‍ات إلى النور ومن يؤمن بالله ويعمل ص‍الحا يدخله جن‍ات تجرى من تحتها الانه‍ار خ‍الدين فيهآ أبدا قد أحسن الله له رزقا) *.
* (رسولا) * بدلا منه؛ وعبر عن إرساله بالإنزال ترشيحا للمجاز، أو لأن الإرسال مسبب عنه فيكون * (أنزل) * مجازا مرسلا، وقال أبو حيان: الظاهر أن الذكر هو القرآن، والرسول هو محمد صلى الله عليه وسلم فإما أن يجعل نفس الذكر مجازا. أو يكون بدلا على حذف مضاف أي ذكر رسول، وقيل: هو نعت على حذف ذلك أي ذا رسول، وقيل: المضاف محذوف من الأول أي ذا ذكر * (رسولا) * فيكون * (رسولا) * نعتا لذلك المحذوف أو بدلا، وقيل: * (رسولا) * منصوب بمقدر مثل أرسل رسولا دل عليه أنزل، ونحا إلى هذا السدي، واختاره ابن عطية، وقال الزجاج. وأبو علي: يجوز أن يكون معمولا للمصدر الذي هو ذكر كما في قوله تعالى: * (أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما) * (البلد: 14، 15)، وقول الشاعر: بضرب بالسيوف رؤوس قوم * أزلنا هامهن عن المقيل أي * (أنزل الله) * تعالى ذكره * (رسولا) * على معنى أنزل الله عز وجل ما يدل على كرامته عنده وزلفاه، ويراد به على ما قيل: القرآن وفيه تعسف، ومثله جعل * (رسولا) * بدلا منه على أنه بمعنى الرسالة، وقال الكلبي: الرسول ههنا جبريل عليه السلام، وجعل بدلا أيضا من * (ذكرا) * وإطلاق الذكر عليه لكثرة ذكره فهو من الوصف بالمصدر مبالغة - كرجل عدل - أو لنزوله بالذكر وهو القرآن، فبينهما ملابسة نحو الحلول، أو لأنه عليه السلام مذكور في السماوات وفي الأمم، فالمصدر بمعنى المفعول كما في درهم ضرب الأمير، وقد يفسر الذكر حينئذ بالشرف كما في قوله تعالى: * (وإنه لذكر لك ولقومك) * (الزخرف: 44) فيكون كأنه في نفسه شرف إما لأنه شرف للمنزل عليه، وإما لأنه ذو مجد وشرف عند الله عز وجل كقوله تعالى: * (عند ذي العرش مكين) * (التكوير: 20)
(١٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 ... » »»