تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٨ - الصفحة ١٣٩
مما قبله من الحث على التقوى كأنه قيل: كيف نعمل بالتقوى في شأن المعتدات؟ فقيل: * (أسكنوهن) * الخ، و * (من) * للتبعيض أي أسكنوهن بعض مكان سكناكم، ولتسكن إذا لم يكن إلا بيت واحد في بعض نواحيه كما روى عن قتادة، وقال الحوفي. وأبو البقاء: هي لابتداء الغاية، وقوله تعالى: * (من وجدكم) * أي من وسعكم أي مما تطيقونه عطف بيان لقوله تعالى: * (من حيث سكنتم) * على ما قاله الزمخشري، ورده أبو حيان بأن لا يعرف عطف بيان يعاد فيه العامل إنما هذا طريقة البدل مع حرف الجر ولذلك أعربه أبو البقاء بدلا، وتعقب بأن المراد أن الجار والمجرور عطف بيان للجار والمجرور لا المجرور فقط حتى يقال ذلك مع أنه لا يبرد له بسلامة الأمير وأنه لا فرق بين عطف البيان والبدل إلا في أمر يسير، ولا يخفى قوة كلام أبي حيان، وقرأ الحسن. والأعرج. وابن أبي عبلة. وأبو حيوة * (من وجدكم) * بفتح الواو، وقرأ الفياض بن غزوان. وعمرو بن ميمون. ويعقوب بكسرها - وذكرها المهدوي عن الأعرج - والمعنى في الكل الوسع * (ولا تضاروهن) * ولا تستعملوا معهن الضرار في السكنى * (لتضيقوا عليهن) * فتلجئوهن إلى الخروج بشغل المكان أو بإسكان من لا يردن السكنى معه ونحو ذلك * (وإن كن) * أي المطلقات * (أول‍ات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) * فيخرجن عن العدة، وأما المتوفى عنهن أزواجهن فلا نفقة لهن عند أكثر العلماء، وعن علي كرم الله تعالى وجهه. وابن مسعود تجب نفقتهن في التركة، ولا خلاف في وجوب سكنى المطلقات أولات الحمل ونفقهتهن بت الطلاق أو لم يبت.
واختلف في المطلقات اللاتي لسن أولات حمل بعد الاتفاق على وجوب السكنى لهن إذا لم يكن مبتوتات، فقال ابن المسيب. وسليمان بن يسار. وعطاء. والشعبي. والحسن. ومالك. والأوزاعي. وابن أبي ليلى. والشافعي. وأبو عبيدة: للمطلقة الحائل المبتوتة السكنى ولا نفقة لها، وقال الحسن. وحماد. وأحمد. وإسحاق. وأبو ثور. والإمامية: لا سكنى لها ولا نفقة لحديث فاطمة بنت قيس قالت: طلقني زوجي أبو عمرو بن حفص بن المغيرة المخزومي البتة فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في السكنى والنفقة فلم يجعل لي سكنى ولا نفقة وأمرني أن أعتد في بيت ابن أم مكتوم ثم أنكحني أسامة بن زيد، وقال أبو حنيفة. والثوري: لها السكنى والنفقة فهما عنده لكل مطلقة لم تكن ذات حمل، ودليله أن عمر رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في المبتوتة: " لها النفقة والسكنى " مع أن ذلك جزاء الاحتباس وهو مشترك بين الحائل والحامل، ولو كان جزاءا للحمل لوجب في ماله إذا كان له مال ولم يقولوا به.
ويؤيد ذلك قراءة ابن مسعود - أسكنوهن من حيث سكنتم وأنفقوا عليهن من وجدكم - ومن خص الانفاق بالمعتدات أولات الحمل استدل بهذه الآية لمكان الشرط فيها وهو لا يتم على النافين لمفهوم المخالفة مع أن فائدة الشرط ههنا أن الحامل قد يتوهم أنها لا نفقة لها لطول مدة الحمل فأثبت لها النفقة ليعلم غيرها بالطريق الأولى - كما في " الكشاف " - فهو من مفهوم الموافقة، وحديث فاطمة بنت قيس قد طعن فيه عمر. وعائشة. وسليمان بن يسار. والأسود بن يزيد. وأبو سلمة بن عبد الرحمن. وغيرهم * (فان أرضعن لكم) * أي بعد أن يضعن حملهن * (فئاتوهن أجورهن) * على الارضاع * (وأتمروا بينكم بمعروف) * خطاب للآباء والأمهات، والافتعال بمعنى التفاعل، يقال: ائتمر القوم. وتآمروا بمعنى، قال الكسائي: والمعنى تشاوروا، وحقيقته
(١٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 ... » »»