صلى الله عليه وسلم: ألا ترضين أن أحرمها فلا أقربها؟ قالت: بلى فحرمها، وفي رواية أن ذلك كان في بيت حفصة في يوم عائشة، وفي " الكشاف " روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلا بمارية في يوم عائشة وعلمت بذلك حفصة فقال لها: اكتمي علي وقد حرمت مارية على نفسي وأبشرك أن أبا بكر وعمر يملكان بعدي أمر أمتي فأخبرت عائشة وكانتا متصادقتين.
وبالجملة الأخبار متعارضة، وقد سمعت ما قيل فيها لكن قال الخفاجي: قال النووي في " شرح مسلم ": الصحيح أن الآية في قصة العسل لا في قصة مارية المروية في غير الصحيحين، ولم تأت قصة مارية في طريق صحيح ثم قال الخفاجي نقلا عنه أيضا: الصواب أن شرب العسل كان عند زينب رضي الله تعالى عنها، وقال الطيبي فيما نقلناه عن الكشاف ما وجدته في الكتب المشهورة والله تعالى أعلم.
والمغافير: بفتح الميم والغين المعجمة وبياء بعد الفاء - على ما صوبه القاضي عياض - جمع مغفور بضم الميم شيء له رائحة كريهة ينضحه العرفط وهو شجر أو نبات له ورق عريض، وعن المطلع أن العرفط هو الصمغ، والمغفور شوك له نور يأكل منه النحل يظهر العرفط عليه، وكان صلى الله عليه وسلم يحب الطيب جدا ويكره الرائحة الكريهة للطافة نفسه الشريفة ولأن الملك يأتيه وهو يكرهها فشق عليه صلى الله عليه وسلم ما قيل فجرى ما جرى، وفي ندائه صلى الله عليه وسلم - بيا أيها النبي - في مفتتح العتاب من حسن التلطف به والتنويه بشأنه عليه الصلاة والسلام ما لا يخفى، ونظير ذلك قوله تعالى: * (عفا الله عنك لم أذنت لهم) * (التوبة: 43) والمراد بالتحريم الامتناع. وبما أحل الله العسل على ما صححه النووي رحمه الله تعالى، أو وطء سريته على ما في بعض الروايات، ووجه التعبير - بما - على هذين التفسيرين ظاهر.
وفسر بعضهم * (ما) * بمارية؛ والتعبير عنها - بما - على ما هو الشائع في التعبير بها عن ملك اليمين، والنكتة فيه لا تخفى، وقوله تعالى: * (تبتغي مرضات أزواجك) * حال من فاعل * (تحرم) *، واختاره أبو حيان فيكون هو محل العتاب على ما قيل، وكأن وجهه أن الكلام الذي فيه قيد المقصود فيه القيد إثباتا أو نفيا، أو يكون التقييد على نحو * (أضعافا مضاعفة) * (آل عمران: 130) على أن التحريم في نفسه محل عتب؛ والباعث عليه كذلك كما في " الكشف "، أو استئناف نحوي أو بياني، وهو الأولى، ووجهه أن الاستفهام ليس على الحقيقة بل هو معاتبة على أن التحريم لم يكن عن باعث مرضي فاتجه أن يسأل ما ينكر منه وقد فعله غيري من الأنبياء عليهم السلام ألا ترى إلى قوله تعالى: * (إلا ما حرم إسرائيل على نفسه) * (آل عمران: 93) فقيل: * (تبتغي مرضات أزواجك) * ومثلك من أجل أن تطلب مرضاتهن بمثل ذلك، وجوز أن يكون تفسيرا - لتحرم - بجعل ابتغاء مرضاتهن عين التحريم مبالغة في كونه سببا له، وفيه من تفخيم الأمر ما فيه، والإضافة في * (أزواجك) * للجنس لا للاستغراق.
* (والله غفور رحيم) * فيه تعظيم شأنه صلى الله عليه وسلم بأن ترك الأولى بالنسبة إلى مقامه السامي الكريم يعد كالذنب وإن لم يكن في نفسه كذلك، وأن عتابه صلى الله عليه وسلم ليس إلا لمزيد الاعتناء به، وقد زل الزمخشري ههنا كعادته فزعم أن ما وقع من تحريم الحلال المحظور لكنه غفر له عليه الصلاة والسلام، وقد شن ابن المنير في الانتصاف الغارة في التشنيع عليه فقال ما حاصله: إن ما أطلقه في حقه صلى الله عليه وسلم تقول وافتراء والنبي عليه الصلاة والسلام منه براء، وذلك أن تحريم الحلال