تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٨ - الصفحة ١٣٥
* (أشهدوا) * للمطلقين؛ وبقوله سبحانه: * (أقيموا الشهادة) * كما أشرنا إليه، وقد تعاطف من غير اختلاف في أفصح الكلام.
* (ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر) * أي لأنه المنتفع بذلك، والإشارة على ما اختاره صاحب الكشاف إلى الحث على إقامة الشهادة لله تعالى، والأولى كما في الكشف أن يكون إشارة إلى جميع ما مر من إيقاع الطلاق على وجه السنة. وإحصاء العدة. والكف عن الإخراج والخروج. وإقامة الشهادة للرجعة أو المفارقة ليكون أشد ملاءمة لقوله عز وجل:
* (ومن يتق الله يجعل له مخرجا) *.
* (ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شىء قدرا) *.
* (ويرزقه من حيث لا يحتسب) * فإنه اعتراض بين المتعاطفين جيء به لتأكيد ما سبق من الأحكام بالوعد على اتقاء الله تعالى فيها، فالمعنى ومن يتق الله تعالى فطلق للسنة، ولم يضار المعتدة، ولم يخرجها من مسكنها واحتاط فأشهد يجعل له سبحانه مخرجا مما عسى أن يقع في شأن الأزواج من الغموم والوقوع في المضايق؛ ويفرج عنه ما يعتريه من الكروب، ويرزقه من وجه لا يخطر بباله ولا يحتسبه، وفي الأخبار عن بعض أجلة الصحابة - كعلي كرم الله تعالى وجهه. وابن عباس في بعض الروايات عنه - ما يؤيد بظاهره هذا الوجه، وجوز أن يكون اعتراضا جيء به على نهج الاستطراد عند ذكر قوله تعالى: * (ذلك يوعظ به) * الخ، فالمعنى ومن يتق الله تعالى في كل ما يأتي وما يذر يجعل له مخرجا من غموم الدنيا والآخرة وهو أولى لعموم الفائدة، وتناوله لما نحن فيه تناولا أوليا، ولاقتضاء أخبار في سبب النزول وغيره له، فقد أخرج أبو يعلى. وأبو نعيم. والديلمي من طريق عطاء بن يسار عن ابن عباس قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: * (ومن يتق) * الخ فقال: مخرجا من شبهات الدنيا ومن غمرات الموت ومن شدائد يوم القيامة، وأخرج أحمد. والحاكم وصححه. وابن مردويه. وأبو نعيم - في المعرفة - والبيهقي عن أبي ذر قال: " جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلو هذه الآية * (ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب) * (الطلاق: 2، 3) فجعل يرددها حتى نعست ثم قال: يا أبا ذر لو أن الناس كلهم أخذوا بها لكفتهم ".
وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: جاء عوف بن مالك الأشجعي فقال: يا رسول الله إن ابني أسره العدو وجزعت أمه فما تأمرني؟ قال: آمرك وإياها أن تستكثرا من قول لا حول ولا قوة إلا بالله فقالت المرأة: نعم ما أمرك فجعلا يكثران منها فتغفل العدو فاستاق غنمهم فجاء بها إلى أبيه فنزلت * (ومن يتق الله) * " الآية، وفي رواية ابن أبي حاتم عن محمد بن إسحق مولى آل قيس قال: " جاء عوف بن مالك الأشجعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: أسر ابن عوف فقال له عليه الصلاة والسلام: أرسل إليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله وكانوا قد شدوه بالقد فسقط القد عنه فخرج فإذا هو بناقة لهم فركبها فإذا سرح للقوم الذين كانوا شددوه فصاح بها فاتبع آخرها أولها فلم يفجأ أبويه إلا وهو ينادي بالباب فأتى أبوه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فنزلت: * (ومن يتق الله) * " الخ.
وفي بعض الروايات أنه أصابه جهد وبلاء فشكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " اتق الله واصبر فرجع ابنه وقد أصاب أعنزا فذكر ذلك للنبي عليه الصلاة والسلام فنزلت فقال: هي لك " إلى غير ذلك مما هو مضطرب على ما لا يخفى على المتتبع، وعلى القول بالاستطراد قيل: المعنى من يتق الحرام
(١٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 ... » »»