تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٩ - الصفحة ١٣٢
الا قائما فصيح انتهى، وفي الوجهين مجىء الحال من النكرة. وحسن ذلك على ما قيل عمومها لوقوعها في حيز النفي مع زيادة من قبلها، وكأن هذا القائل جعل العموم مسوغا لمجىء الحال قياسا على جعلهم إياه مسوغا للابتداء بالنكرة لاشتراك العلة. وذهب الزمخشري إلى أن * (لها منذرون) * جملة في موضع الصفة لقرية ولم يجوز أبو حيان كون الجملة الواقعة بعد إلا صفة ثم قال: مذهب الجمهور إنه لا تجىء الصفة بعد إلا معتمدة على أداة الاستثناء نحو ما جاءني أحد إلا راكب وإذا سمع خرج على البدل أي إلا رجل راكب. ويدل على صحة هذا المذهب أن العرب تقول: ما مررت بأحد إلا قائما ولا يحفظ من كلامها ما مررت بأحد إلا قائم فلو كانت الجملة في موضع الصفة للنكرة لورد المفرد بعد إلا صفة لها فإن كانت الصفة غير معتمدة على الأداة جاءت الصفة بعد إلا نحو ما جاءني أحد إلا زيد خير من عمرو فإن التقدير ما جاءني أحد خير من عمرو إلا زيد انتهى فتذكر. وأيا ما كان فضمير * (لها) * للقرية التي هي لما سمعت في معنى الجمع فكأنه قيل وما أهلكنا القرى إلا لها منذرون على معنى أن للكل منذرين أعم من أن يكون لكل قرية منها منذر واحد أو أكثر.
وقوله تعالى: * (ذكرى وما كنا ظ‍المين) * * (ذكرى) * منصوب على الحال من الضمير في * (منذرون) * عند الكسائي وعلى المصدر عند الزجاج فعلى الحال إما أن يقدر ذوي ذكرى أو يقدر مذكرين أو يبقى على ظاهره اعتبارا للمبالغة. وعلى المصدر فالعامل * (منذرون) * لأنه في معنى مذكرون فكأنه قيل: مذكرون ذكرى أي تذكرة. وأجاز الزمخشري أن يكون مفعولا له على معنى أنهم ينذرون لأجل الموعظة والتذكرة. وأن يكون مرفوعا على أنه خبر مبتدأ محذوف بمعنى هذه ذكرى، والجملة اعتراضية أو صفة بمعنى منذرون ذوو ذكرى أو مذكرين أو جعلوا نفس الذكرى مبالغة لإمعانهم في التذكرة وإطنابهم فيها، وجوز أيضا أن يكون متعلقا بأهلكنا على أنه مفعول له. والمعنى ما أهلكنا من قرية ظالمين إلا بعد ما ألزمناهم الحجة بإرسال المنذرين إليهم ليكون إهلاكهم تذكرة وعبرة لغيرهم فلا يعصوا مثل عصيانهم ثم قال: وهذا هو الوجه المعول عليه. وبين ذلك في " الكشف " بقوله: لأنه وعيد للمستهزئين وبأنهم يستحقون أن يجعلوا نكالا وعبرة لغيرهم كالأمم السوالف حيث فعلوا مثل فعلهم من الاستهزاء والتكذيب فجوزوا بما جوزوا وحينئذ يتلائم الكلام انتهى، وتعقب بأن مذهب الجمهور أن ما قبل إلا لا يعمل فيما بعدها إلا أن يكون مستثنى أو مستثنى منه أو تابعا له غير معتمد على الأداة والمفعول له ليس واحدا من هذه الثلاثة فلا يجوز أن يتعلق بأهلكنا. ويتخرج جواز ذلك على مذهب الكسائي. والأخفش وإن كانا لم ينصبا على المفعول له هنا وكان ذلك لما في نصبه عليه من التكلف وأمر الالتئام سهل كما لا يخفى * (وما كنا ظالمين) * أي ليس شأننا أن يصدر عنا بمقتضى الحكمة ما هو في صورة الظلم لو صدر من غيرنا بأن نهلك أحدا قبل إنذاره أو بأن نعاقب من لم يظلم. ولإرادة نفي أن يكون ذلك من شأنه عز شأنه قال: * (وما كنا) * دون وما نظلم.
* (وما تنزلت به الشي‍اطين) * * (وما تنزلت به الشياطين) * متعلق بقوله تعالى: * (وإنه لتنزيل رب العالمين) * (الشعراء: 192) الخ وهو رد لقول مشركي قريش إن لمحمد صلى الله عليه وسلم تابعا من الجن يخبره كما تخبر الكهنة وأن القرآن مما ألقاه إليه عليه الصلاة والسلام. والتعبير بالتفعيل لأن النزول لو وقع لكان بالاستراق التدريجي، وقرأ الحسن. وابن السميقع * (الشياطون) * فقال أبو حاتم: هو غلط من الحسن أو عليه، وقال النحاس: هو غلط عند جميع النحويين. وقال المهدوي: هو غير جائز في العربية، وقال الفراء: غلط الشيخ ظن أنها النون التي على هجائين، وقال النضر بن شميل: إن جاز أن يحتج بقول العجاج. ورؤبة فهلا جاز أن يحتج
(١٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 ... » »»