تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٩ - الصفحة ١٣٠
أماراته وظهور مقدماته ومشاهدة علاماته وأخرى بغتة لا يتقدمها شيء من ذلك فكانت رؤيتهم العذاب محتاجة إلى التفسير فعطف عليها بالفاء التفسيرية قوله تعالى: * (يأتيهم بغتة) * (الشعراء: 202) وصح بينهما معنى التعقيب لأن مرتبة المفسر في الذكر أن يقع بعد المفسر كما فعل في التفصيل بالقياس إلى الإجمال كما يستفاد من تحقيقات الشريف في " شرح المفتاح ". ويمكن أن تكون الآية من باب القلب كما هو أحد الوجوه في قوله تعالى: * (وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا) * (الأعراف: 4) للمبالغة في مفاجأة رؤيتهم العذاب حتى كأنهم رأوه قبل المفاجأة. والمعنى حتى يأتيهم العذاب الأليم بغتة فيروه انتهى. وجعلها بعضهم للتفصيل، واعترض على ما قال صاحب الكشاف بأن العذاب الأليم منطو على شدة البغت فلا يصح الترتيب والتعقيب الرتبي وهو وهم كما لا يخفى.
ثم إن هذه الرؤية وما بعدها إن كانت في الدنيا كما قيل فإتيان العذاب الأليم فيها بغتة مما لا خفاء فيه لأنه قد يفاجئهم فيها ما لم يكن يمر بخاطرهم على حين غفلة. وإن كانت في الآخرة فوجه إتيانه فيها بغتة على ما زعمه بعضهم أن المراد به أن يأتيهم من غير استعداد له وانتظار فافهم، واختار بعضهم أن ذلك أعم من أن يكون في الدنيا أو في الآخرة.
وقرأ الحسن. وعيسى * (تأتيهم) * بتاء التأنيث، وخرج ذلك الزمخشري على أن الضمير للساعة وأبو حيان عن أنه للعذاب بتأويل العقوبة، وقال أبو الفضل الرازي: للعذاب وأنث لاشتماله على الساعة فاكتسى منها التأنيث وذلك لأنهم كانوا يسألون عذاب القيامة تكذيبا بها انتهى وهو في غاية الغرابة وكأنه اعتبر إضافة العذاب إلى الساعة معنى بناء على أن المراد بزعمه حتى يروا عذاب الساعة الأليم، وقال: باكتسائه التأنيث منها بسبب إضافته إليها لأن الإضافة إلى المؤنث قد تكسي المضاف المذكر التأنيث كما في قوله: كما شرقت صدر القناة من الدم ولم أر أحدا سبقه إلى ذلك. وقرأ الحسن * (بغتة) * بالتحريك، وفي حرف أبي رضي الله تعالى عنه * (ويروه بغتة) *.
* (أفبعذابنا يستعجلون) * * (أفبعذابنا يستعجلون) * أي يطلبونه قبل أوانه وذلك قولهم: أمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم. وقولهم: فائتنا بما تعدنا ونحوهما.
* (أفرأيت إن متعن‍اهم سنين) * * (أفرأيت) * أي فأخبر * (إن متعناهم سنين) * أي مدة من الزمان بطول الأعمار وطيب المعاش أو عمر الدنيا على ما روي عن عكرمة. وعبر عن ذلك بما ذكر إشارة إلى قلته.
* (ثم جآءهم ما كانوا يوعدون) * * (ثم جاءهم ما كانوا يوعدون) * أي الذين كانوا يوعدونه من العذاب.
* (مآ أغنى عنهم ما كانوا يمتعون * (ما أغنى عنهم) * أي أي شيء أو أي غناء أغنى عنهم * (ما كانوا يمتعون) * أي كونهم ممتعين ذلك التمتيع المديد على أن ما مصدرية كما هو الأولى أو الذي كانوا يمتعونه من متاع الحياة الدنيا على أنها موصولة حذف عائدها. وأيا ما كان فالاستفهام للنفي والإنكار.
وقيل: ما نافية أي لم يغن عنهم ذلك في دفع العذاب أو تخفيفه، والأول أولى لكونه أوفق لصورة الاستخبار وأدل على انتفاء الإغناء على أبلغ وجه وآكده وفي ربط النظم الكريم ثلاثة أوجه كما في " الكشاف "، الأول: أن قوله سبحانه: * (أفرأيت) * الخ متصل بقوله تعالى: * (هل نحن منظرون) * (الشعراء: 203) وقوله جل وعلا: * (أفبعذابنا يستعجلون) * (الشعراء: 204) معترض للتبكيت وإنكار أن يستعجل العذاب من هو معرض لعذاب يسأل فيه النظرة والإمهال طرفة عين فلا يجاب
(١٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 ... » »»