الجسد. وقد يقال: لما كان له صلى الله عليه وسلم جهتان جهة ملكية يستفيض بها وجهة بشرية يقيض بها جعل الإنزال على روحه صلى الله عليه وسلم لأنها المتصفة بالصفات الملكية التي يستفيض بها من الروح الأمين.
وللإشارة إلى ذلك قيل * (على قلبك) * دون عليك الأخصر. وقيل: إن هذا لأن القرآن لم ينزل في الصحف كغيره من الكتب، وإما العضو المخصوص وهو الإطلاق المشهور. وتخصيصه بالإنزال عليه قيل للإشارة إلى كمال تعلقه صلى الله عليه وسلم وفهمه ذلك المنزل حيث لم تعتبر واسطة في وصوله إلى القلب الذي هو محل العقل كما يقتضيه ظاهر كثير من الآيات والأحاديث ويشهد له العقل على ما لا يخفي على من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. وقد أطال في الانتصار لذلك الإمام في تفسيره. ورد على من ذهب إلى أن الدماغ محل العقل، وقيل: للإشارة إلى صلاح قلبه عليه الصلاة والسلام وتقدسه حيث كان منزلا لكلامه تعالى ليعلم منه حال سائر أجزائه صلى الله عليه وسلم فإن القلب رئيس جميع الأعضاء وملكها ومتى صلح الملك صلحت الرعية وفي الحديث: " ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب "، وقد يقال: يجوز أن يكون التخصيص لأن الله تعالى جعل لقلب رسوله صلى الله عليه وسلم سمعا مخصوصا يسمع به ما ينزل عليه من القرآن تمييزا لشأنه على سائر ما يسمعه ويعيه على حد ما قيل وذكره النووي في " شرح صحيح مسلم " في قوله تعالى: * (ما كذب الفؤاد ما رأى) * (النجم: 11) من أن الله عز وجل جعل لفؤاده عليه الصلاة والسلام بصرا فرآه به سبحانه ليلة المعراج. وهذا كله على القول بأن جبرائيل عليه السلام ينزل بالألفاظ القرآنية المحفوظة له بعد أن نزل القرآن جملة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة أو التي يحفظها من اللوح عند الأمر بالإنزال أو التي يوحي بها إليه أو التي يسمعها منه سبحانه على ما قاله بعض أجلة السلف عنده فيلقيها إلى النبي صلى الله عليه وسلم على ما هي عليه من غير تغيير أصلا. وكذا على القول بأن جبرائيل عليه السلام ألقى عليه المعاني القرآني وأنه عبر عنها بهذه الألفاظ العربية ثم نزل بها كذلك فألقاها إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وأما على القول بأنه عليه السلام إنما نزل بالمعاني خاصة إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وأما على القول بأنه عليه السلام إنما نزل بالمعاني خاصة إلى النبي صلى الله عليه وسلم عليه الصلاة والسلام وأنه عليه الصلاة والسلام علم تلك المعاني وعبر عنها بلغة العرب فقيل: إن القلب بمعنى العضو المخصوص لا غير وتخصيصه لأن المعاني إنما تدرك بالقوة المودعة فيه، وقيل: يجوز أن يراد به الروح وروحه عليه الصلاة والسلام لغاية تقدسها وكمالها في نفسها تدرك المعاني من غير توسط آلة. ومن الناس من ذهب إلى هذه الآية دليلا له وهو قول مرجوح. ومثله القول بأن جبرائيل عليه السلام ألقى عليه المعاني فعبر عنها بألفاظ فنزل بما عبر هو به. والقول الراجح أن الألفاظ منه عز وجل كالمعاني لا مدخل لجبرائيل عليه السلام فيها أصلا. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسمعها ويعيها بقوى إلهية قدسية لا كسماع البشر إياها منه عليه الصلاة والسلام وتنفعل عنه ذلك قواه البشرية، ولهذا يظهر على جسده الشريف صلى الله عليه وسلم ما يظهر ويقال لذلك: برحاء الوحى حتى يظن في بعض الأحايين أنه أغمي عليه عليه الصلاة والسلام. وقد يظن أنه صلى الله عليه وسلم أغفى.
وعلى هذا يخرج ما رواه مسلم عن أنس قال: " بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءه ثم رفع رأسه متبسما فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ فقال: أنزل على آنفا سورة فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم * (إنا أعطيناك الكوثر * فصل لربك وانحر * إن شانئك هو الأبتر) * (الكوثر: 1 - 3) ولا يحتاج من قال: إن الأشبه