تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٩ - الصفحة ١٣٧
إلى الخلاص من علة التوكل. وذلك أن يعلم أن الله تعالى لم يترك أمرا مهملا بل فرغ من الأشياء كلها وقدرها وشأنه سبحانه سوق المقادير إلى المواقيت، فالمتوكل من أراح نفسه من كد النظر والمطالعة السبب سكونا إلى ما سبق من القسمة مع استواء الحالين وهو أن يعلم أن الطلب لا ينفع والتوكل لا يمنع ومتى طالع بتوكله عوضا كان توكله مدخولا وقصده معلولا وإذا خلص من رق الأسباب ولم يلاحظ في توكله سوى خالص حق الله تعالى كفاه الله تعالى كل مهم. وبين العلامة الطيبي أن في قوله تعالى: * (وتوكل) * الخ إشارة إلى المراتب الثلاث بما فيه خفاء.
وفي مصاحف أهل المدينة. والشام " فتوكل " بالفاء. وبه قرأ نافع. وابن عامر. وأبو جعفر. وشيبة. وخرج على الإبدال من جواب الشرط. وجعل في الكشاف الفاء للعطف وما بعده معطوفا على * (فقل) * أو * (فلا تدع) * وما ذكر أولا أظهر.
* (الذى يراك حين تقوم) * * (الذي يرايك حين تقوم) * أي إلى الصلاة.
* (وتقلبك فى الس‍اجدين) * * (وتقلبك) * أي ويرى سبحانه تغيرك من حال كالجلوس والسجود إلى آخر كالقيام * (في الساجدين) * أي فيما بين المصلين إذا أممتهم، وعبر عنهم بالساجدين لأن السجود حالة مزيد قرب العبد من ربه عز وجل وهو أفضل الأركان على ما نص عليه جمع من الأئمة، وتفسير هذه الجملة بما ذكر مروى عن ابن عباس. وجماعة من المفسرين إلا أن منهم من قال: المراد حين تقوم إلى الصلاة بالناس جماعة، وقيل: المعنى يراك حين تقوم للتهجد ويرى تقلبك أي ذهابك ومجيئك فيما بين المتهجدين لتتصفح أحوالهم وتطلع عليهم من حيث لا يشعرون وتستبطن سرائرهم وكيف يعملون لآخرتهم كما روي أنه لما نسخ فرض قيام الليل طاف صلى الله عليه وسلم تلك الليلة ببيوت أصحابه لينظر ما يصنعون حرصا على كثرة طاعاتهم فوجدها كبيوت النحل لما سمع لها من دندنتهم بذكر الله تعالى والتلاوة. وعن مجاهد أن المراد بقوله سبحانه: " وتقلبك في الساجدين " تقلب بصره عليه الصلاة والسلام فيمن يصلى خلفه فإنه صلى الله عليه وسلم كان يرى من خلفه، ففي " صحيح البخاري " عن أنس قال: " أقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه فقال: أقيموا صفوفكم وتراصوا فإني أراكم من وراء ظهري ".
وفي رواية أبي داود عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: " استووا استووا استووا والذي نفسي بيده إني لاراكم من خلفي كما أراكم من بين يدي " ولا يخفى بعد حمل ما في الآية ما ذكر.
وقيل: المراد بالساجدين المؤمنون، والمعنى يراك حين تقوم لأداء الرسالة ويرى تقلبك وترددك فيما بين المؤمنين أو معهم فيما فيه إعلان أمر الله تعالى وإعلاء كلمته سبحانه، وتفسير الساجدين بالمؤمنين مروى عن ابن عباس. وقتادة إلا أن كون المعنى ما ذكر لا يخلو عن خفاء.
وعن ابن جبير أن المراد بهم الأنبياء عليهم السلام، والمعنى ويرى تقلبك كما يتقلب غيرك من الأنبياء عليهم السلام في تبليغ ما أمروا بتبليغه وهو كما ترى، وتفسير الساجدين بالأنبياء رواه جماعة منهم الطبراني. والبزار. وأبو نعم عن ابن عباس أيضا إلا أنه رضي الله تعالى عنه فسر التقلب فيهم بالتنقل في أصلابهم حتى ولدته أمه عليه الصلاة والسلام، وجوز على حمل التقلب على التنقل في الأصلاب أن يراد بالساجدين
(١٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 ... » »»