فيبطل كون المشاركة المذكورة شرطا للسمع، فإن ادعى أن الشرط كان موجودا إذ ذاك ثم فقد والتزم القول بجواز تغير ما بالذات فهو مما لم يقم عليه دليل وقياس جميع الشياطين على إبليس عليه اللعنة مما لا يخفى حاله فتدبر.
وبالجملة الذي أميل إليه في معنى الآية ما ذكرته أولاف. وسيأتي قريبا إن شاء الله تعالى ما يتعلق بذلك، وجوز كون ضمير * (إنهم) * للمشركين. والمراد أنهم لا يصغون للحق لعنادهم، وفي الآية شمة من قوله تعالى: * (والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات) * وهو بعيد جدا.
* (فلا تدع مع الله إلاها ءاخر فتكون من المعذبين) * * (فلا تدع مع الله إلاها ءاخر فتكون من المعذبين) * خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم مع استحالة صدور المنهي عنه عليه الصلاة والسلام تهييجا وحثا لازدياد الإخلاص فهو كناية عن أخلص في التوحيد حتى لا ترى معه عز وجل سواه. وفيه لطف لسائر المكلفين ببيان أن الإشراك من القبح والسوء بحيث ينهى عنه من لم يمكن صدوره عنه فكيف بمن عداه. وكأن الفاء فصيحة أي إذا علمت ما ذكر فلا تدع مع الله إلها آخر.
* (وأنذر عشيرتك الاقربين) * * (وأنذر) * العذاب الذي يستتبعه الشرك والمعاصي * (عشيرتك الأقربين) * أي ذوي القرابة القريبة أو الذين هم أكثر قربا إليك من غيرهم.
والعشيرة على ما قال الجوهري: رهط الرجل الأدنون. وقال الراغب هم أهل الرجل الذين يتكثر بهم أي يصيرون له بمنزلة العدد الكامل وهو العشرة. واشتهر أن طبقات الأنساب ست، الأولى: الشعب بفتح الشين وهو النسب الأبعد كعدنان، الثانية: القبيلة وهي ما انقسم فيه الشعب كربيعة ومضر. الثالثة: العمارة بكسر العين وهي ما انقسم فيه أنساب القبيلة كقريش وكنانة. الرابعة: البطن وهو ما انقسم فيه أنساب العمارة كبني عبد مناف وبني مخزوم. الخامسة: الفخذ وهو ما انقسم فيه أنساب البطن كبني هاشم. وبني أمية. السادسة: الفصيلة وهي ما انقسم فيه أنساب الفخذ كبني العباس. وبني عبد المطلب وليس دون الفصيلة إلا الرجل وولده.
وحكى أبو عبيد عن ابن الكلبي عن أبيه تقديم الشعب ثم القبيلة ثم الفصيلة ثم العمارة ثم الفخذ فأقام الفصيلة مقام العمارة في ذكرها بعد القبيلة والعمارة مقام الفصيلة في ذكرها قبل الفخذ ولم يحك ما يخالفه ولم يذكر في الترتيبين العشيرة، وفي " البحر " أنها تحت الفخذ فوق الفصيلة، والظاهر أن ذلك على الترتيب الأول.
وحكى بعضهم بعد أن نقل الترتيب المذكور عن النووي عليه الرحمة أنه قال في تحرير التنبيه: وزاد بعضهم العشيرة قبل الفصيلة. ويفهم من كلام البعض أن العشيرة إذا وصفت بالأقرب اتحدت مع الفصيلة التي هي سادسة الطبقات، وأنت تعلم أن الأقربية إذا كانت مأخوذة في مفهومها كما يفهم من كلام الجوهري تستغني دعوى الاتحاد عن الوصف المذكور.
وفي كليات أبي البقاء كل جماعة كثيرة من الناس يرجعون إلى أب مشهور بأمر زائد فهو شعب كعدنان ودونه القبيلة وهي ما انقسمت فيها أنساب الشعب كربيعة. ومضر، ثم العمارة وهي ما انقسمت فيها أنساب القبيلة كقريش. وكنانة، ثم البطن وهي ما انقسمت فيها أنساب العمارة كبني عبد مناف. وبني مخزوم، ثم الفخذ وهي ما انقسمت فيها أنساب البطن كبني هاشم. وبني أمية، ثم العشيرة وهي ما انقسمت فيها أنساب الفخذ كبني العباس. وبني أبي طالب. والحي يصدق على الكل لأنه للجماعة المتنازلين بمربع منهم انتهى.
ولم يذكر فيه الفصيلة وكأنه يذهب إلى اتحادها بالعشيرة. ووجه تخصيص عشيرته صلى الله عليه وسلم الأقربين بالذكر مع عموم رسالتيه