وقال بعضهم: على تقدير كونها بيانية أن المؤمنين يراد بهم الذين لم يؤمنوا بعد وشارفوا لأن يؤمنوا كالمؤلفة مجاز باعتبار الأول وكان - من اتبعك - شائعا في من آمن حقيقة. ومن آمن مجازا فبين بقوله تعالى: * (من المؤمنين) * أن المراد بهم المشارفون أي تواضع للمشارفين استمالة وتأليفا، وعلى تقدير كونها تبعيضية يراد بالمؤمنين الذين قالوا آمنا وهم صنفان. صنف صدق واتبع. وصنف ما وجد منهم إلا التصديق فقيل: من المؤمنين وأريد بعض الذين صدقوا واتبعوا أي تواضع لبعض المؤمنين وهم الذين اتبعوك محبة ومودة. وعلى هذا يكون الذين أمر صلى الله عليه وسلم بالتواضع لهم على تقدير البيان غير الذي أمر عليه الصلاة والسلام بالتواضع لهم على تقدير التبعيض. وقال بعض الأجلة الاتباع والإيمان توأمان إذ المتبادر من أتباعه عليه الصلاة والسلام اتباعه الديني وكذا المتبادر من الإيمان الإيمان الحقيقي، وذكر * (من المؤمنين) * لإفادة التعميم كذكر * (يطير بجناحيه) * بعد طائر في قوله تعالى: * (ولا طائر يطير بجناحيه) * وتفيد الآية الأمر بالتواضع لكل من آمن من عشيرته صلى الله عليه وسلم وغيرهم.
وقال الطيبي: الإجراء على أفانين البلاغة أن يحمل الكلام على أسلوب وضع المظهر موضع المضمر وأن الأصل وأنذر عشيرتك الأقربين. واخفض جناحك لمن اتبعك منهم فعدل إلى المؤمنين ليعم ويؤذن أن صفة الإيمان هي التي يستحق أن يكرم صاحبها ويتواضع لأجلها من اتصف بها سواء كان من عشيرتك أو غيرهم وليس هذا بالبعيد لكني أختار كون من بيانية وأن عموم من اتبعك باعتبار أصل معناه. وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج قال: لما نزلت * (وأنذر عشيرتك الأقربين) * بدأ صلى الله عليه وسلم بأهل بيته وفصيلته فشق ذلك على المسلمين فأنزل الله تعالى: * (واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين) *.
* (فإن عصوك فقل إنى برىء مما تعملون) * * (فإن عصوك فقل إني برىء مما تعملون) * الظاهر أن الضمير المرفوع في * (عصوك) * عائد على من أنذر صلى الله عليه وسلم بإنذارهم وهم العشيرة أي فإن عصوك ولم يتبعوك بعد إنذارهم فقل: إني برىء من عملكم أو الذي تعملونه من دعائكم مع الله تعالى إلها آخر، وجوز أن يكون عائدا على الكفار المفهوم من السياق، وقيل: هو عائد على من اتبع من المؤمنين أي فإن عصوك يا محمد في الأحكام وفروع الإسلام بعد تصديقك والإيمان بك وتواضعك لهم فقل: إني برىء مما تعملون من المعاصي أي أظهر عدم رضاك بذلك وإنكاره عليهم. وذكر على هذا أنه صلى الله عليه وسلم لو أمر بالبراءة منهم ما بقي شفيعا للعصاة يوم القيامة، والآية على غير هذا القول منسوخة.
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد أنه قال: أمره سبحانه بهذا ثم نسخه فأمره بجهادهم، وفي " البحر " هذه موادعة نسختها آية السيف.
* (وتوكل على العزيز الرحيم) * * (وتوكل على العزيز الرحيم) * فهو سبحانه يقهر من يعصيك منهم ومن غيرهم بعزته وينصرك برحمته، وتقديم وصف العزة قيل لأنه أوفق بمقام التسلي عن المشاق اللاحقة من القوم إليه صلى الله عليه وسلم، وجوز أن يكون ذلك لأن العزة كالعلة المصححة للتوكل والرحمة كالعلة الداعية إليه، وفسره غير واحد بتفويض الرجل أمره إلى من يملك أمره ويقدر على أن ينفعه ويضره. وقالوا: المتوكل من إن دهمه أمر لم يحاول دفعه عن نفسه بما هو معصية لله تعالى، وذكر بعضهم أن هذا من أحط مراتب التوكل وأدناها، ونقل عن بعض العارفين أنه فيما بين الناس على ثلاث درجات. الأولى: التوكل مع الطلب ومعاطاة السبب على نية شغل النفس ونفع الخلق وترك الدعوى، والثانية: التوكل مع إسقاط الطلب وغض العين عن السبب اجتهادا في تصحيح التوكل وقمع تشرف النفس تفرغا إلى حفظ الواجبات. والثالثة: التوكل مع معرفة التوكل النازعة