تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٩ - الصفحة ١٣١
إليها، والمعنى على هذا كما في " الكشف " أنه لما ذكر أنهم لا يؤمنون دون مشاهدة العذاب قال سبحانه: إن هذا العذاب الموعود وإن تأخر أياما قلائل فهو لاحق بهم لا محالة وهنالك لا ينفعهم ما كانوا فيه من الاغترار المثمر لعدم الإيمان، وأصل النظم الكريم لا يؤمنون حتى يروا العذاب وكيت وكيت فإن متعناهم سنين ثم جاءهم هذا العذاب الموعود فأي شيء أو فأي غناء يغني عنهم تمتيعهم تلك الأيام القلائل فجىء بفعل الرؤية والاستفهام ليكون في معنى أخبر إفادة لمعنى التعجب والإنكار وأن من حق هذه القصة أن يخبر بها كل أحد حتى يتعجب.
ووسط * (أفبعذابنا يستعجلون) * للتبكيت والهمزة فيه للإنكار، وجىء بالفاء دلالة على ترتبه على السابق كأنه لما وصف العذاب قيل: أيستعجل هذا العذاب عاقل. وفي " الإرشاد " اختيار أن قوله تعالى: * (أفرأيت) * متصل بقوله سبحانه: * (هل نحن منظرون) * وجعل الفاء لترتيب الاستخبار على ذلك القول وهي متقدمة على الهمزة معنى وتأخيرها عنها صورة لاقتضاء الهمزة الصدارة وإن * (أفبعذابنا يستعجلون) * معترض للتوبيخ والتبكيت وجعل الفاء فيه للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي أيكون حالهم كما ذكر من الاستنظار عند نزول العذاب الأليم فيستعجلون بعذابنا وبينهما من التنافي ما لا يخفى على أحد أو أيغفلون عن ذلك مع تحققه وتقرره فيستعجلون الخ، وصاحب الكشف بعد أن قرر كما ذكرنا قال: إن العطف على مقدر في هذا الوجه لا وجه له، ولعل المنصف يقول: لكل وجهة.
والثاني: أن قوله تعالى: * (أفبعذابنا يستعجلون) * كلام يوبخون به يوم القيامة عند قولهم فيه * (هل نحن منظرون) * حكى لنا لطفا * (ويستعجلون) * عليه في معنى استعجلتم إذ كذلك يقال لهم ذلك اليوم، وكأن أمر الترتيب أو العطف على مقدر، وارتباط * (أفرأيت) * الخ بقولهم: * (هل نحن منظرون) * على نحو ما تقدم في الوجه السابق.
والثالث: أن قوله تعالى: * (أفبعذابنا يستعجلون) * متصل بما بعده غير مترتب على ما قبله وذلك أن استعجالهم بالعذاب إنما كان لاعتقادهم أنه غير كائن ولا لاحق بهم وأنهم ممتعون بأعمار طوال في سلامة. وأمن فقال عز وجل: * (أفبعذابنا يستعجلون) * أشرا وبطرا واستهزاء واتكالا على الأمل الطويل ثم قال سبحانه: هب أن الأمر كما يعتقدون من تمتيعهم وتعميرهم فإذا لحقهم الوعيد بعد ذلك ما ينعهم حينئذ ما مضى من طول أعمارهم وطيب معايشهم.
وعلى هذا يكون * (فبعذابنا) * الخ عطفا على مقدر بلا خلاف نحو أيستهزؤن * (فبعذابنا يستعجلون) *.
وقوله تعالى: * (أفرأيت) * الخ تعجبا من حالهم مترتبا على الاستهزاء والاستعجال، والكلام نظير ما تقول لمخاطبك: هل تغتر بكثرة العشائر والأموال فأحسب أنها بلغت فوق ما تؤمل أليس بعده الموت وتركهما على حسرة.
وهذا الوجه أظهر من الوجه الذي قبله، وأيا ما كان فقوله سبحانه: * (بعذابنا) * متعلق بيستعجلون قدم عليه للإيذان بأن مصب الإنكار والتوبيخ كون المستعجل به عذابه جل جلاله مع ما فيه على ما قيل من رعاية الفواصل. وقرىء * (يمتعون) * من الإمتاع وفي الآية موعظة عظيمة لمن له قلب. روي عن ميمون بن مهران أنه لقي الحسن في الطواف وكان يتمنى لقاءه فقال له: عظني فلم يزده على تلاوة هذه الآية فقال ميمون: لقد وعظت فأبلغت.
* (ومآ أهلكنا من قرية إلا لها منذرون) * * (وما أهلكنا من قرية) * من القرى المهلكة * (إلا لها منذرون) * قد أنذروا أهلها إلزاما للحجة، والجار والمجرور متعلق بمحذوف وقع خبرا مقدما و * (منذرون) * مبتدأ، والجملة في موضع الحال من * (قرية) * قاله أبو حيان ثم قال: الأعراب أن يكون * (لها) * في موضع الحال وارتفع * (منذرون) * بالجار والمجرور أي إلا كائنا لها منذرون فيكون من مجىء الحال مفردا لا جملة، ومجىء الحال من المنفي كقولك ما مررت بأحد
(١٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 ... » »»