تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٩ - الصفحة ١٢٩
عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين) * (الأنعام: 7) موقع قوله تعالى: * (لا يؤمنون به) * الخ مما قبله موقع الموضح والملخص لأنه مسوق لثباته مكذبا مجحودا في قلوبهم فاتبع ما يقرر هذا المعنى من أنهم لا يزالون على التكذيب به وجحوده حتى يعاينوا الوعيد. ويجوز أن يكون حالا أي سلكناه فيها غير مؤمن به اه‍.
وتعقب بأن الأول هو الأنسب بمقام بيان غاية عنادهم ومكابرتهم مع تعاضد أدلة الإيمان وتناجد مبادىء الهداية والإرشاد وانقطاع أعذارهم بالكلية، وقد يقال: إن هذا التفسير أوفق بتسليته صلى الله عليه وسلم التي هي كالمبنى لهذه السورة الكريمة وبها صدرت حيث قال سبحانه: * (لعلك باخع نفسك أن لا يكونوا مؤمنين) * كأنه جل وعلا بعد أن ذكر فرط عنادهم وشدة شكيمتهم في المكابرة وهو تفسير واضح في نفسه فهو عندي أولى مما تقدم.
وفي المطلع أن الضمير للتكذيب والكفر المدلول عليه بقوله تعالى: * (ما كانوا به مؤمنين) * (الشعراء: 199) وبه قال يحيى بن سلام، وروي عن ابن عباس. والحسن، والمعنى كذلك سلكنا التكذيب بالقرآن والكفر به في قلوب مشركي مكة ومكناه فيها، وقوله تعالى: * (لا يؤمنون) * الخ واقع موقع الإيضاح لذلك ولا يظهر على هذا الوجه كونه حالا ولا أرى لهذا المعنى كثرة بعد عن قول من قال أي على مثل هذا السلك سلكنا القرآن وعلى مثل هذه الحال وهذه الصفة من الكفر به والتكذيب له وضعناه في قلوبهم، وحاصل الأول كذلك سلكنا التكذيب القرآن في قلوبهم.
وحاصل هذا وكذلك سلكنا القرآن بصفة التكذيب به في قلوبهم فتأمل، وجوز جعل الضمير للبرهان الدال عليه قوله تعالى: * (أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل) * (الشعراء: 197) وهو بعيد لفظا ومعنى، هذا وذهب بعضهم إلى أن المراد بالمجرمين غير الكفرة المتقدمين الذين عادت عليهم الضمائر وهم مشركو مكة من المعاصرين لهم وممن يأتي بعدهم وذلك إشارة إلى السلك في قلوب أولئك المشركين أي مثل ذلك السلك في قلوب مشركي مكة سلكناه في قلوب المجرمين غيرهم لاشتراكهم في الوصف، وقوله سبحانه: * (لا يؤمنون به) * (الشعراء: 201) الخ بيان لحال المشركين المتقدمين الذين اعتبروا في جانب المشبه به أو إيضاح لحال المجرمين وبيان لما يقتضيه التشبيه وهو كما ترى؛ ونقل في " البحر " عن ابن عطية أنه أريد مجرمي كل أمة أي إن سنة الله تعالى فيهم أنهم لا يؤمنون حتى يروا العذاب فلا ينفعهم الإيمان بعد تلبس العذاب بهم، وهذا على جهة المثال لقريش أي هؤلاء كذلك، وكشف الغيب بما تضمنته الآية يوم بدر انتهى، وكأنه جعل ضمير * (سلكناه) * لمطلق الكفر لا للكفر بالقرآن، وضمير * (به) * لله تعالى أو لما أمروا بالإيمان به للقرآن وإلا فلا يكاد يتسنى ذلك، وعلى كل حال لا ينبغي أن يعول عليه.
* (فيأتيهم بغتة وهم لا يشعرون) * * (فيأتيهم) * أي العذاب * (بغتة) * أي فجأة * (وهم لا يشعرون) * أي بإتيانه.
* (فيقولوا هل نحن منظرون) * * (فيقولوا) * أي تحسرا على ما فات من الإيمان وتمنيا للإمهال لتلافي ما فرطوه * (هل نحن منظرون) * أي مؤخرون، والفاء في الموضعين عاطفة وهي كما يدل عليه كلام الكشاف للتعقيب الرتبي دون الوجودي كأنه قيل: حتى يكون رؤيتهم للعذاب الأليم فما هو أشد منها وهو مفاجأته فما هو أشد منه وهو سؤالهم النظرة نظير ما في قولك إن أسأت مقتك الصالحون فمقتك الله تعالى، فلا يرد أن البغث من غير شعور لا يصح تعقبه للرؤية في الوجود، وقال سربى الدين المصري عليه الرحمة في توجيه ما تدل عليه الفاء من التعقيب: إن رؤية العذاب تكون تارة بعد تقدم
(١٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 ... » »»