المكابرة كأنه قيل: ولو نزلناه بهذا النظم الرائق المعجز على من لا يقدر على التكلم بالعربية أو على ما ليس من شأنه التكلم أصلا من الحيوانات العجم * (فقرأه عليهم) * قراءة صحيحة خارقة للعادة * (ما كانوا به مؤمنين) * مع انضمام إعجاز القراءة إلى إعجاز المقروء، وقيل: المراد بالأعجمين جمع أعجم أعم من أن يكون عاقلا أو غيره، ونقل ذلك الطبرسي عن عبد الله بن مطعي، وذكر أنه روى عن ابن مسعود أنه سئل عن هذه الآية وهو على بعير فأشار إليه وقال: هذا من الأعجمين. والطبري على ما في البحر يروي نحو هذا عن ابن مطيع، والمراد أيضا بيان فرط عنادهم، وقيل: هو جمع أعجم مرادا به ما لا يعقل وضمير الفاعل في * (قرأه) * للنبي صلى الله عليه وسلم وضمير * (عليهم) * لبعض الأعجمين وكذا ضمير * (كانوا) * والمعنى لو نزلنا هذا القرآن على بعض البهائم فقرأه محمد صلى الله عليه وسلم على أولئك البهائم ما كانوا أي أولئك البهائم مؤمنين به فكذلك هؤلاء لأنهم كالأنعام بل هم أضل سبيلا، ولا يخفى ما فيه، وقيل: المراد ولو نزلناه على بعض الأعجمين بلغة العجم فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين لعدم فهمهم ما فيه، وأخرج ذلك عبد الرزاق. وعبد بن حميد. وابن جرير عن قتادة وهو بعيد عما يقتضيه مقام بيان تماديهم في المكابرة والعناد واستند بعضهم بالآية عليه في منع أخذ العربية في مفهوم القرآن إذ لا يتصور على تقدير أخذها فيه تنزيله بلغة العجم إذ يستلزم ذلك كون الشيء الواحد عربيا وعجميا وهو محال.
وأجيب بأن ضمير نزلناه ليس راجعا إلى القرآن المخصوص المأخوذ في مفهومه العربية بل إلى مطلق القرآن ويراد منه ما يقرأ أعم من أن يكون عربيا أو غيره، وهذا نحو رجوع الضمير للعام في ضمن الخاص في قوله تعالى: * (ما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره) * (فاطر: 11) الآية فإن ضمير عمره راجع إلى شخص بدون وصفه بمعمر إذ لا يتصور نقص عمر المعمر كما لا يخفى.
وقال بعضهم في الجواب: إن الكلام على حذف مضاف، والمراد * (ولو نزلنا) * معناه بلغة العجم على بعض الأعجمين فتدبر؛ وفي لفظ * (بعض) * على كل الأقوال إشارة إلى كون ذلك المفروض تنزيله عليه واحدا من عرض تلك الطائفة كائنا من كان و * (به) * متعلق بمؤمنين، ولعل تقديمه عليه للاهتمام وتوافق رؤس الآي.
والضمير في قوله تعالى:
* (كذلك سلكناه في قلوب المجرمين) * * (كذالك سلكناه في قلوب المجرمين) * على ما يقتضيه انتظام الضمائر السابقة واللاحقة في سلك واحد للقرآن وإليه ذهب الرماني. وغيره، والمعنى على ما قيل مثل ذلك السلك البديع المذكور سلكناه أي أدخلنا القرآن في قلوب المجرمين ففهموا معانيه وعرفوا فصاحته وأنه خارج عن القوى البشرية وقد انضم إليه علم أهل الكتابين بشأنه وبشارة الكتب المنزلة بإنزاله فقوله تعالى:
* (لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الاليم) * * (حتى يروا العذاب الأليم) * الملجىء إلى الايمان به وحينئذ لا ينفعهم ذلك.
والمراد بالمجرمين المشركون الذين عادت عليهم الضمائر من * (لهم. وعليهم. وكانوا) * وعدل عن ضميرهم إلى ما ذكر تأكيدا لذمهم، وقال الزمخشري في معنى ذلك: أي مثل هذا السلك سلكناه في قلوبهم وهكذا مكناه وقررناه فيها وعلى مثل هذه الحال وهذه الصفة من الكفر به والتكذيب له وضعناه فيها فكيف ما فعل بهم وصنع، وعلى أي وجه دبر أرهم فلا سبيل إلى أن يتغيروا عما هم عليه من جحوده وإنكاره كما قال سبحانه: * (ولو نزلنا