الخطفة المذكورة في قوله سبحانه: * (إلا من خطف الخطفة) * والكلمة المذكورة في خبر الصحيحين. وابن مردويه السابق آنفا. واعترض بأن من خطف لا يبقى حيا إلى أن يوصل ما خطفه إلى وليه لظاهر قوله تعالى: * (إلا من خطف الخطفة فاتبعه شهاب ثاقب) * (الصافات: 10) فإن ظاهره أنه يهلك بالشهاب الذي لحقه.
وأجيب بأن نفي بقائه حيا غير مسلم. ولا نسلم أن الآية ظاهرة فيما ذكر إذ ليس فيها أكثر من اتباع الشهاب الثاقب إياه وهو يحتمل الزجر كما يحتمل الاهلاك فليرد اتباعه للزجر مع بقائه حيا فإن الخبر المذكور يقتضي بقاءه كذلك. وجاء عن ابن عباس أن الشياطين كانوا لا يحجبون عن السموات وكانوا يدخلونها ويأتون بأخبارها فيلقون إلى الكهنة فلما ولد عيسى عليه السلام منعوا من ثلاث سموات فلما ولد محمد صلى الله عليه وسلم منعوا من السموات كلها فما منهم من أحد يريد استراق السمع إلا رمي بشهاب وهو الشعلة من النار فلا يخطىء أبدا فمنهم من يقتله ومنهم من يحرق وجهه ومنهم من يخبله فيصير غولا يضل الناس في البراري، وقيل: إن المراد بالسمع فيما تقدم سمع الوحي وفيما هنا سمع المغيبات غيره وهم غير ممنوعين عنه قبل البعثة وبعدها، وهذا مأخوذ من كلام عبد الرحمن بن خلدون في مقدمة تاريخه التي لم ينسج على منوالها وان كان للطعن فيها مجال قال: إن الآيات إنما دلت على منع الشياطين من نوع واحد من أخبار السماء وهو ما يتعلق بخبر البعثة ولم يمنعوا مما سوى ذلك، بل ربما يقال: إن في كلامه بعد إشعارا ما بأن المنع إنما كان بين يدي النبوة فقط لا قبل ذلك ولا بعده.
ولا يخفى أن الظواهر تشهد بمنعهم مطلقا إلى يوم القيامة، بل قد يدعى أن في الآيات ما يدل على أن حفظ السماء بالكواكب لم يحدث وان خلقها لذلك وهو ظاهر في أنهم كانوا ممنوعين أيضا قبل ولادته صلى الله عليه وسلم من خبر السماء، ويشكل هذا على ظاهر العزل إلا أن يدعى أن المنع قبل لم يكن بمثابة المنع بعد فالعزل عما كان يجعل املنع شديدا بالنسبة إليه. وفي اليواقيت والجواهر في عقائد الأكابر لمولانا عبد الوهاب الشعراني عليه الرحمة الصحيح أن الشياطين ممنوعون من السمع منذ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة وبتقدير استراقهم فلا فلا يتوصلون إلى الأنثى ليخبروهم بما استرقوه بل تحرقهم الشهب وتفنيهم انتهى.
قيل ويلزم القائلين بهذا حمل ما في خبر الصحيحين على كهان كانوا قبل البعثة وقد أدركهم السائلون وهو الذي يقتضيه كلام القاضي أيضا. فقد نقل النووي عنه في " شرح صحيح مسلم " أنه قال: كانت الكهانة في العرب ثلاثة أضر، أحدها أن يكون للإنسان ولي من الجن يخبره بما يسترقه من السمع من السماء وهذا القسم بطل من حين بعث نبينا صلى الله عليه وسلم إلى آخر ما قال: وهو ظاهر كلام البوصيري حيث يقول: بعث الله عند مبعثه الشه * - بحراسا وضاق عنها الفضاء تطرد الجن عن مقاعد للسم * - ع كما يطرد الذئب الرعاء فمحت آية الكهانة آيا * ت من الوحى ما لهن انمحاء وقد قيل في الجواب عن الإشكال نحو هذا وهو أن تنزل الشياطين وإلقاءهم ما يسمعونه من السماء إلى أوليائهم حسبما تفيده الآية المذكورة في أحد محاملها إنما كان قبل البعثة حيث لم يكن حينئذ منع أو كان لكنه لم يكن شديدا. والمنع من السمع الذي يفيده قوله تعالى: * (إنهم عن السمع لمعزولون) * إنما كان