تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٩ - الصفحة ١٢٥
مناف لظاهره صدر من غير معصوم، ويكون محيى الدين قدس سره من علماء الشرعية أن يؤولوا كلامه ليوافق كلام الله عز وجل فيسلم من الطعن، ولعل من يؤول في مثل ذلك يحسن الظن بمحيي الدين قدس سره ويقول: إنه لم يقل ذلك إلا لدليل شرعي فقد قال قدس سره في الكلام على الإذن من الفتوحات: اعلم أني لم أقرر بحمد الله تعالى في كتابي هذا ولا غيره قد أمرا غير مشروع وما خرجت عن الكتاب والسنة في شيء من تصانيفي، وقال في الباب السادس والستين وثلاثمائة من الكتاب المذكور جميع ما أتكلم به في مجالسي وتأليفي إنما هو من حضرة القرآن العظيم فإني أعطيت مفاتيم العلم فيه فلا أستمد قط في علم من العلوم إلا منه كل ذلك حتى لا أخرج عن مجالسة الحق تعالى في مناجاته بكلامه أو بما تضمنه كلامه سبحانه إلى غير ذلك فالداعي للتأويل في الحقيقة ذلك الدليل لا نفس كلامه قدس سره العزيز وهو اللائق بالمسلمين الكاملين.
وقوله تعالى: * (لتكون من المنذرين) * متعلق بنزل أي نزل به لتنذرهم بما في تضاعيفه من العقوبات الهائلة. وإيثار ما في النظم الكريم للدلالة على انتظامه صلى الله عليه وسلم في سلك أولئك المنذرين المشهورين في حقية الرسالة وتقرر العذاب المنذر به، وكذا قوله سبحانه:
* (بلسان عربى مبين) * * (بلسان عربي مبين) * متعلق بنزل عند جمع من الأجلة ويكون حينئذ على ما قال الشهاب بدلا من * (به) * بإعادة العامل، وتقديم * (لتكون) * الخ للاعتناء بأمر الإنذار ولئلا يتوهم أن كونه عليه الصلاة والسلام من جملة المنذرين المذكورين متوقف على كونه الإنزال بلسان عربي مبين، واستحسن كون الباء للملابسة والجار والمجرور في موضع الحال من ضمير * (به) * أي نزل به ملتبسا بلغة عربية واضحة المعنى ظاهرة المدلول لئلا يبقى لهم عذر، وقيل: بلغة مبينة لهم ما يحتاجون إليه من أمور دينهم ودنياهم على أن * (مبين) * من أبان المتعدي، والأول أظهر.
وجوز أن تعلق الجار والمجرور بالمنذرين أي لتكون من الذين أنذروا بلغة العرب وهم هود. وصالح. وإسمعيل. وشعيب. ومحمد صلى الله عليه وسلم، وزاد بعضهم خالد بن سنان. وصفوان بن حنظلة عليهما السلام. وتعقب بأنه يؤدي إلى أن غاية الإنذار كونه عليه السلام من جملة المنذرين باللغة العربية فقط من هود. وصالح. وشعيب عليهم السلام، ولا يخفى فساده كيف لا، والطامة الكبرى في باب الإنذار ما أنذره نوح. وموسى عليهما السلام، وأشد الزواجر تأثيرا في قلوب المشركين ما أنذره إبراهيم عليه السلام لانتمائهم إليه وادعائهم أنهم على ملته عليه السلام، وذكر بعضهم أن المراد على هذا الوجه أنك أنذرتهم كما أنذر آباؤهم الأولون وأنك لست بمبتدع بهذا فكيف كذبوك، والحق أن الوجه المذكور دون الوجه السابق، وأما أنه فاسد معنى كما يقتضيه كلام المتعقب فلا.
* (وإنه لفى زبر الاولين) * أي وإن ذكر القرآن لفي الكتاب المتقدمة على أن الضمير للقرآن والكلام على حذف مضاف وهذا كما يقال: إن فلانا في دفتر الأمير. وقيل: المراد وإن معناه لفي الكتب المتقدمة وهو باعتبار الأغلب فإن التوحيد وسائر ما يتعلق بالذات والصفات وكثيرا من المواعظ والقصص مسطور في الكتب السابقة فلا يضران منه ما ليس في ذلك بحسب الظن الغالب كقصة الإفك وما كان في نكاح امرأة زيد وما تضمنه صدر سورة التحريم وغير ذلك. واشتهر عن الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه جوز قراءة القرآن بالفارسية والتركية والهندية وغير ذلك من اللغات مطلقا استدلالا بهذه الآية. وفي رواية
(١٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 ... » »»